عروبة المنيف
ذلك الجهاز الجوال الذي يرافقنا كظلنا في كل الأمكنة والأزمنة، موثقاً كل لحظة من لحظات حياتنا، لا يزال يثير الزوبعات والقلاقل والمتناقضات التي نعايشها في كل لحظة، فتصوير حدث بالجوال وتوثيقه ونشره كفيل بزلزلة جهات رسمية وتحريك مسؤولين من أعلى المناصب، وإصدار قرارات ما كانت لتصدر لولا ذلك الحدث الموثّق بالجوال. لقد أتحفنا ذلك الجهاز منذ أيام بإحدى صولاته وجولاته التي يمتهنها وباحترافية، موثقاً واقعة تم فيها تصوير معلم في مدينة الأحساء يصفع أحد تلاميذه عدة صفعات على وجهه موبخاً، وعلى نحو يخالف الأنظمة واللوائح التي تخضع لها المؤسسة التعليمية التي ينتمي إليها، حيث يمنع الضرب أو أي أسلوب من أساليب العنف سواءً كان جسدياً أو نفسياً أو لفظياً.
بعد نشر المقطع، تم فسخ عقد المعلم ومنع من ممارسة مهنة التدريس، وتم التوجيه بعدم صلاحيته للتدريس مستقبلاً، وأحيل الطالبين المشاركين في تصوير مقطع الفيديو المنتشر إلى «إدارة التوجيه والإرشاد» للتعامل معهما وفقاً للأنظمة، حيث يعد تصرفهما مخالفاً للأنظمة التي تمنع استخدام التصوير لمنسوبي التعليم. لقد أثارت واقعة الضرب والفصل أيضاً العديد من التساؤلات والاستهجانات وردود الأفعال المجتمعية المختلفة.
ما أود التنويه إليه بخصوص تلك الحادثة يتمحور حول ثقافة الضرب التي لا زالت تلقى قبولاً وترحيباً لدى فئة كبيرة من المجتمع كوسيلة تأديبية فعَّالة على الرغم من صدور قانون يجرِّم العنف بكافة أشكاله، فجميع المؤسسات في الدولة تخضع لذلك القانون سواء كانت مؤسسة تعليمية أو غيرها، فالمؤسسة الأسرية تخضع له من خلال قانون «الحماية من الإيذاء» الذي يعاقب الوالدين إذا ثبت إيذاؤهم لأبنائهم،كذلك بالنسبة للعنف ضد الأفراد في المؤسسات، حيث تفرض المؤسسة العقوبة المناسبة على المعنِّف باعتبارها مؤسسة خاضعة للدولة. لقد فكرت بعد الحادثة بالأعداد الكبيرة من الطلبة أو الطالبات ممن يتعرّضون للضرب يومياً من قِبل معلميهم ولا توثّق تلك الحوادث بالتصوير، لأنه ممنوع ويعد مخالفة صريحة من قِبل الطلبة،كما حصل مع الطلاب «مصوري حادثه ضرب التلميذ في الأحساء»، ولكن الصدفة في تلك الحادثة ساهمت في إدانة المعلم لأنها أصبحت «قضية رأي عام» فنال العقاب، والأرجح في المستقبل سيتم أخذ الحذر والحيطة من قبل المعلمين ليضمنوا عدم تصويرهم داخل فصولهم، أما الطلبة «مصوّرو الحادثة»، فهم يدركون بفعلتهم هذه، أنهم يسرقون ويتجاوزن القانون، ولكن نتائج فعلتهم تلك كانت إيجابية، ففُصل المعلم من عمله وظهروا كالأبطال، لذلك من الملاحظ أن ردود الأفعال لتلك الحادثة نتج عنها تداعيات سلبية!
إن وجود كاميرات مراقبه داخل الفصول وفي أروقة المباني المدرسية، وإعلام الجميع بأن المبنى يخضع للمراقبة باستمرار، سيكون رادعاً لمن تسوِّل له نفسه بأن يخترق القوانين ويمارس العنف أياً كان شكله على التلاميذ، وفي ذات السياق، لن يفخر الطلبة بخرق الأنظمة ولن يشعروا بالانتصار على ذلك الاختراق فيعتبروا أنفسهم أبطالاً يستحقون الأوسمة، وذلك بدون شك لا يخدم القيم المجتمعية المراد إيصالها للأجيال. ونردد دوماً، الوقاية خير من العلاج.