د. جاسر الحربش
كما قال شاعر اليمن البردوني:
هرم الزمان ونصف شعبي ها هنا
شقى ونصف في الشعوب مشرد
في اليمن جرحان تاريخيان نازفان، صراع القيادات الطائفية على الأتباع والمصالح، وتبديد الأموال والطاقات على مضغ القات. اليمني يكدح عاماً كاملاً في الغربة ليسلطن شهرين في المقيل في اليمن.
بالأمس القريب اقتتل طرفا الشرعية في عدن قبل حسم المعركة مع العدو المشترك في صنعاء. لماذا، بالتأكيد ليس من أجل اليمن كوطن مشترك ولا للقتال بالوكالة عن دول التحالف كما يدعي من يتمنى، وإنما لأن من مسلمات أهل اليمن تقديم عصبية المصالح الفئوية على مصلحة اليمن، فهم لا يحتاجون لمن يحرضهم على بعض.
الإحباط في مجتمعات دول التحالف مع الشرعية من سوء علاقات الأطراف اليمنية ببعضها يجعل بعض الأسئلة تتردد في المجالس الخليجية بين مواطنين طيبين لا مجال للشك في حسن نواياهم، وكلها أمنيات طوباوية بحدوث معجزة لإنهاء الحرب في اليمن. هناك من يقول بسذاجة ليت الحرب بيننا وبين الحوثيين لم تبدأ بالأساس، ومن يتمنى أن تنتهي الحرب بأي ثمن، أو يقول ما كان لنا أن نقع في الفخ الإيراني، أو متى تنتهي هذه الحرب على خير. ولأن هذه الأمنيات الطيبات لا علاقة لها بالواقع لابد من التصحيح. عندما بدأت الحرب لم تكن أصلا ً بين دول التحالف واليمن، بل بين أطراف يمنية لها أجندات متضادة كما هو الواقع اليمني المتكرر.مجموعة مسلحة ومرتبطة مذهبيا ً بإيران تحالفت مع بقايا تكتل انتهازي انتهت شرعيته بعد أن نهب البلاد والعباد للاستيلاء أولا ً على اليمن بشطريه وإخضاع كل المعارضين بقوة السلاح، وكان ذلك هو الهدف المستعجل. الأهداف المؤجلة معلنة منذ سنوات في أدبيات حركة أنصار الله الحوثية، وهي تصحيح الحدود مع السعودية ثم الوصول إلى الأماكن المقدسة في الحجاز فيما بعد. من ينكر معرفته لهذه التصريحات من قناة المسيرة الحوثية وقناة العالم الإيرانية لا فائدة من النقاش معه. لكن عليه أن يراجع صفحات العشر السنوات الماضية.
مرحلياً، بعد اجتياح التحالف الحوثي وبقايا الحكم السابق كامل اليمن بشطريه والاستيلاء على العتاد والمعسكرات والأموال بدأت المناوشات المتعمدة مع القوات السعودية في قطاعي نجران وجازان، وكان ذلك على أيام الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله قبل عاصفة الحزم، وهو الذي أمر بالاستعداد لصد العدوان، والملك سلمان حفظه الله أطلق عاصفة الحزم.
أطلعت السعودية عدداً واسعاً من الدول العربية والإسلامية بالوثائق على العدوان، وتحالفت مصيرياً مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي كانت تتعرض لنفس التهديدات الإيرانية الإعلامية. خلال ساعات دمر التحالف مخازن السلاح الرئيسية والصواريخ والثكنات العسكرية، ثم عادت الشرعية المطرودة من صنعاء إلى عدن.
ما الذي حدث بعد ذلك ؟. تحول الصراع إلى حرب يمنية أهلية كالعادة، فحوصرت وجوعت مدن واغتيل زعماء المناطق والقبائل والمحافظات، ثم افترس الحوثي حليفه الأهم لأنه تجرأ وعرض فرصة للسلام.
هذه الحرب لن تنتهي إلا بهزيمة الطرف العميل وتطبيق قرار مجلس الأمن الذي غطاه غبار التجاهل، وإعادة الشرعية من خلال انتخابات ودستور بشهادة العالم كله. على من يعلل نفسه بالأماني الطوباوية بانتهاء الحرب بأي ثمن أن يسأل نفسه عما سوف يحدث لو قبلت أطراف تحالف الشرعية بالجلوس مع أنصار الله الحوثي كأنداد، للتفاوض على مصير اليمن ومستقبل المنطقة.
لكن لا مجال للخيال، وعلى المتخيل التفكير فيما سوف يقوله عندما تنتهي الحرب بهزيمة المشروع المذهبي الإيراني وعودة اليمن لأهل اليمن دون تبعية لأحد.