فضل بن سعد البوعينين
تعتبر القوى البشرية ركيزة الإنتاج، ومن أهم الموارد المحققة لأهداف التنمية الاقتصادية والمجتمعية قدرة الأفراد على العمل، قد لا تضمن الإنتاجية القصوى، لذا تظهر الفروقات في إنتاجيتهم، وإن تشابهت قدراتهم وخبراتهم العملية. تُرى ما الذي يجعل الموظف الأقل تأهيلاً أكثر إنتاجية من قرينه المتسلح بالمعرفة؟ هناك أسباب مختلفة إلا أن عامل التحفيز، بأنواعه المتعددة، يأتي في مقدمة الأسباب، وأكثرها تأثيرًا في نفسية العاملين في المنشأة الواحدة. وللتحفيز أوجه كثيرة، ومنها إشباع الحاجات الاقتصادية، الذي يسيطر على تفكير الغالبية، غير أن إشباع الحاجات السيكولوجية والاجتماعية لا تقل أهمية عنها. الجمع بين أدوات التحفيز يمكن أن تسهم بشكل أكبر في رفع الإنتاجية وخفض التكاليف وتحقيق الانتماء.
ويهدف تحفيز الموظفين للتأثير الإيجابي في السلوك العام وتوجيهه التوجيه الأمثل لرفع الإنتاجية وتحقيق الأهداف الاقتصادية في القطاعين العام والخاص. وإذا كان عنصر التحفيز بارزًا في القطاعات الخاصة، فإنه شبه متوارٍ في القطاع العام الذي بدأ مرحلة التحول في طريقه إلى الخصخصة.
ومن اللافت بروز جانب التحفيز المعنوي في القطاع الحكومي، ليس من الوزراء أو محافظي المؤسسات الحكومية، بل من الرجل الثاني في قيادة الدولة، والمسؤول الأول عن إدارة دفة الاقتصاد، وهو سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الذي فاجأ العاملين في محطة تحلية المياه في جدة بزيارة تحفيزية، هدف من خلالها تقديم الشكر على جهودهم المتميزة، وإنتاجيتهم المرتفعة التي لم تتطلب إنفاق مزيد من الأموال لتحقيقها. تمكن أبناء الوطن العاملون في محطات تحلية المياه بالمملكة من رفع كفاءة التشغيل وزيادة إنتاج المياه المحلاة من 3.5 مليون متر مكعب إلى 5 ملايين متر مكعب خلال العامين الماضيين دون زيادة في التكاليف. الأكيد أن تحفيز المؤسسة لموظفيها، وانضباطيتها، وكفاءة العاملين فيها أسهمت في تحقيق تلك النتائج المبهرة، إلا أن تعزيز تلك المكاسب بزيارة سمو ولي العهد التحفيزية، وتقديمه الشكر لجميع العاملين في المؤسسة والإشادة بهم سيسهم بشكل أكبر في رفع معنوياتهم التي ستنعكس على إنتاجيتهم المستقبلية وإصرارهم على المحافظة على كفاءة التشغيل التي وصلوا إليها.
أجزم أن تحفيز سمو ولي العهد لن يتوقف تأثيره على المؤسسة ومحطاتها بل سيتجاوزهم إلى القطاعات الحكومية الأخرى التي ستحرص رفع الكفاءة إيمانًا منها بوجود المتابعة والقياس والتكريم من القيادة.
كتبت في مقال سابق في «الجزيرة» ما نصه، «يدفع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بقوة نحو ترشيد الأداء الحكومي ومكافحة الفساد ووضع معايير لقياس الأداء من أجل تحقيق كفاءة العمل، وخفض النفقات، وهو أمر غاية في الأهمية، وكل ما أتمناه أن يقوم المجلس بتكريم المبدعين، والمحققين لمعايير النزاهة، وجودة المخرجات وإشراكهم في النفع المالي الذي يحققونه، واستثمارهم في مراكز قيادية لنشر ثقافة الإبداع والابتكار والجودة كمكافأة لهم على ما قدموه من عمل مخلص وأمانة وإنجاز». وأحسب أن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد أسس لسابقة تحفيزية قد تكون القاعدة للعمل الحكومي مستقبلاً، وكل ما أتمناه أن يُدعم هذا التوجه الكريم، والتحفيز المعنوي الكبير، بتحفيز مالي ووظيفي، يتوافق مع حجم الوفر المالي الذي حققته محطات التحلية.