«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
«الخوص» هذه الخامة البيئية العظيمة والمباركة التي هي جزء لا يتجزأ من سعف النخيل، هذه المادة النباتية التي باركها الله بمباركته للنخلة شجرة الخير والتي من محتوياتها تصنع العديد من المنتجات الغذائية والأدوات المنزلية المختلفة والتي تتوارثها الأجيال ومنذ قرون بل منذ بدأت الحياة وشاهد الإنسان البدائي «أمَّنا النخلة» شامخة أمامه، وراح يستظل بظلها ويستفيد من رطبها وتمرها وكل ما تحتويه من أشياء.
حتى المخلفات باتت تسهم في منفعة الإنسان في كل مكان توجد فيه أشجار النخيل.. واتطلالتنا اليوم عن مادة «الخوص» التي تتفنن العديد من القرويات في الأحساء وغير الأحساء في إنتاج أشياء كثيرة وأنواع مختلفة من المنتجات الخوصية التي أبدعتها أناملهن وأسهمت كثيراً في الرفع من دخولهن المادية نتيجة لبيعهن ومنذ القدم ما تنتجه أناملهن من قفف وزنابيل وحصر ومراوح يدوية «مهاف» وسفر بأحجام مختلفة للطعام.
وبحكم أني - وأقولها بتواضع - صاحب تجربة أولى في العالم في الرسم على خامة «الخوص» كنت قريباً جداً من بعض السيدات الفاضلات اللواتي يقمن بإنتاج السفر من خامة سعف النخيل «الخوص» فتعودت ومنذ أربعة عقود وأكثر على التعامل مع أكثر سيدة ممن يصنعن السفر الخوصية بعد أن بدأت تجربة الرسم عليها.
وكنت - والحق يقال - أطلب منهن أن يراعين نعومة ودقة «السفرة»، فكلما كانت دقيقة وخالية من الفتحات كانت أرضيتها للرسم أفضل بل تكون مثالية في ثبات الألوان، وهذا ما حصل، إذ إنني وخلال تجربتي أحرص على نوعية «السفرة الخوصية» حتى تتكامل العملية الفنية وأنجز «اللوحة بصورة مثالية»، وكم سيدة وفتاة في الأحساء تميزن وبكل تقدير على إنتاج أنواع مختلفة من منتجات «الخوص» واثبتن وبجدارة مهارتهن وقدراتهن على العزف على هذه الخامة البيئية التي تجسد - وبلا منازع - فخر المنتج البيئي والتراثي الذي بات مفخرة للوطن. بل أنك تشاهد في مختلف المعارض الموسمية والمهرجانات الوطنية جانباً من عملهن وأنتاجهن بصورة لافتة بل وتحظى بكل تقدير وإقبال. وهناك من يوصيهن على العديد من المنتجات بحسب رغباتهم، فكم من زائر عربي أو خليجي أو حتى أجنبي تجده قد اشترى من الحرفيات القرويات شيئاً أو أكثر، بل هناك من يقصدهن في مباسطهن تحت ظلال «العماريات» في الأسواق الشعبية في مدن الأحساء وبلداتها وقراها. والجميل أنك تجد دعماً مكثفاً من قبل الهيئة العامة للآثار والسياحة وحتى الجمعيات الخيرية وعلى الأخص ونقولها مع التحية جمعية فتاة الأحساء التنموية الخيرية والتي أسهمت ومنذ تأسيسها منذ عقود في احتضان المبدعات من حرفيات الأحساء سيدات وفتيات، كذلك لا يمكن تناسي غرفة الأحساء بتشجيعها لهن من خلال مشاركاتهن في بعض الفعاليات.