عماد المديفر
ترتكز رؤية المملكة 2030 على ثلاث مرتكزاتٍ أساس، الأول المتمثل بالعمق العربي والإسلامي، متحقق، ويحتاج لاشك لمزيد من العمل، بيد أن المرتكزين الطموحين الآخرين، والواقعيين في ذات الوقت، والذين بدونهما لا مجال لتحقيق الرؤية؛ أن المملكة تكون هي بالفعل محوراً لربط القارات الثلاث، وأن المملكة قوةً استثمارية رائدة.. وأنا أتأمل هذين المرتكزين، لا يمكنني أن أفصلهما عن التوظيف الأمثل والشراكة الفاعلة مع مشروع الطريق والحزام الصيني- على سبيل المثال المهم والمقياس الأكثر دلالة-، والذي يرى باحثون مختصون في الاقتصاد والتاريخ والسياسة أنه لربما ينقل العالم برمته إلى وضع جديد.. ولذلك تفصيل لعلي آتي عليه في مقالة مستقلة.
غير أني بالمجمل، لا أدري عن أي محور ربط بين القارات نتحدث، وعن أي استثمارات رائدة نريد، وعن أي دور رئيس في مشروع الحزام والطريق نبحث، ونحن بنيتنا التحتية الأساس المتمثّلة في شبكات النقل والطرق السريعة التي تربط مدن وقرى المملكة، وجهاتها المترامية الأطراف، بهذه الحالة، التي لربما بدت غير مؤهلة لتحمل مزيد من أعباء حركة نقل المواد والبضائع والمنتجات..! لاسيما إذا ما قارناها بدول أقل بكثير من إمكانات المملكة ومصادرها التنموية، وموقعها المهم والاستراتيجي..
فخلال أقل من أسبوع واحد فقط، وقعت ثلاثة حوادث سير مروعة بين المدن، راح ضحيتها أكثر من عشرين مواطنا بين وفاة وإصابة خطرة، غالبيتهم من النساء والأطفال.. وكان العنصر المشترك فيها شاحنة نقل، إما بشكل مباشر، كما هما حادثي جازان، أو بشكل غير مباشر كما هو حادث طريق المدينة -الرس.. هذا ما هو معلن عبر الإعلام والصحافة، إذ أن العديد من حوادث السير تحدث ولا يصل -عادةً- خبرها للإعلام أو لوسائل التواصل الاجتماعي..
كثيرة جداً حوادث السير تلك، وكارثية، هي التي تكون الشاحنات عنصراً مشاركاً فيها، إن بشكل مباشر.. أو بشكل غير مباشر، حين يحاول قائد المركبة الصغيرة تفاديها، هذا عدا عن رداءة بعض الطرقات، ومشاكل صيانتها. ذلك يدل على أن وجود هذه الشاحنات على الطرق السريعة بين المدن والقرى، يشكل خطرا حقيقياً على مرتادي الطريق، حتى وان التزموا قواعد السلامة، وضوابط السرعة والمرور.. خاصة في الطرق الصغيرة المزدوجة ذات المسار الوحيد في كل اتجاه.. الأمر الذي يلقي باللائمة بشكل مباشر على شبكات الطرق ومنظومة النقل في المملكة القارة.. هذه الشبكات التي راح ضحيتها آلاف الأرواح الطاهرة.. والتي بوضعها الحالي تشكل عائقاً حقيقياً أمام تحقيق الرؤية السعودية 2030 .
إن الهدف الإستراتيجي الأول الذي وضعته وزارة النقل في برنامج التحول الوطني 2020 هو «تقليل معدلات حوادث الطرقات»، التي تعد المملكة هي الأعلى على مستوى العالم بمعدل 27 حالة لكل 100 ألف، فيما المعيار العالمي هو حالتين فقط لكل 100 ألف.. كما أن الهدف الإستراتيجي الثاني هو «استكمال المخطط الشامل لمنظومة النقل في المملكة» والذي يشير حالياً الى 85%!! أي أنه ينقصنا فقط 15% ويصبح المخطط الشامل لمنظومة النقل مكتملاً! الأمر الذي يجعلني أتساءل أيضاً عن أية مخطط شامل لمنظومة النقل نطمح! ونحن نقول أنه مكتمل -على الوضع الحالي – بنسبة 85%! ما يعني أن المخطط ذاته يحتاج إلى تطوير، ليفي بالغرض الذي يمكننا من الاقتراب من تحقيق رؤيتنا الطموحة.. والطموحة جدا مقارنة بالواقع الحالي.. لكنها في ذات الوقت؛ مهمة جداً.. وعدم تحقيقها أو تحقيق معظمها على الأقل -أي الرؤية- يعد مشكلاً حقيقياً وكارثياً هو الآخر.
لاشك أننا أمام تحدٍ كبير، مهم، وصعب، لكنه حرج وحساس جداً.. إن أهم ضمانات السير بالاتجاه الصحيح والأداء السليم هو «تحقيق الشفافية وتعزيزها» كما نصّت بنود الرؤية، وإذا ما علمنا أننا أطلقنا برنامج التحول الوطني 2020 في الثاني من رمضان عام 1437هـ، واليوم نحن في منتصف الشهر الخامس من عام 1439هـ، أي أننا بعد ثلاثة أشهر من الآن يكون قد مضى على اعتماد برنامج التحول الوطني سنتين، وبقي لها سنة وثمانية أشهر، فمن المفترض أن نكون قد انتصفنا في تحقيق أهداف التحول، أو على الأقل حَسّنا المؤشرات إلى الربع، لاسيما وان وزارة النقل من الوزارات الأساس المشاركة في برنامج التحول الوطني من بداية إطلاقه، وأن مؤشر «رفع كفاءة البنية التحتية للنقل» هو الآخر أحد أهم أهداف التحول الوطني الاستراتيجية، والمرتبط، هو والأهداف التي ذكرتها سابقا، وبشكل مباشر، في هدف الرؤية الأساس المتمثل في «إنشاء منصة لوجستية مميزة بين القارات الثلاث».
إن حياة المواطنين غالية، ومشاريع القطارات القائم العمل عليها هي بالنسبة لمرتكزات الرؤية، وعطفاً على واقع شبكات النقل والمواصلات والدعم اللوجستي الحالي، غير كافية إطلاقا.. وكذلك الحال بالنسبة لشبكات الطرق، والتي لا تحتمل مزيداً من شاحنات النقل.. واقترح لذلك ضرورة النظر جدياً بتوسيع شبكات القطارات لنقل البضائع على الأقل، وإنشاء شبكات طرق ومواصلات جديدة وتطوير الحالية، بحيث تكون للشاحنات طرقها الخاصة، ولا تشارك المركبات الخاصة ومركبات الأفراد.. ومن الممكن في هذا السياق الاستفادة من تجارب الدول الأخرى الأقل منا موارد ومداخيل بيد أنها تتمتع بشبكة طرق رائعة بين المدن، وتمنع الشاحنات عنها، كما هي حال العديد من دول شرق، وجنوب شرق آسيا، والتي اجتذبت استثمارات شركات طرق أجنبية، والتي بدورها أنشأت هذه الشبكات من أموال المستثمرين، واستثمرت استخدام الطرقات السريعة بمبالغ رمزية، لمدد تصل الى 30 عاما.. فما الضير من الإفادة من هذه التجارب، ووضع مبالغ رمزية لاستخدام هذه الطرق تستفيد منها الشركات المستثمرة التي ستنشئ هذه الطرقات أو تطورها وتدير تشغيلها وصيانتها؟
أما على الوضع الحالي، ونحن لم نتحدث سوى عن جانب وحيد من البنية الأساسية، والمتمثل في الربط بين مدن المملكة ومناطقها وجهاتها المترامية، فيصعب أن نصدق أنه من الممكن لنا أن نكون محوراً لربط القارات الثلاث على المدى المنظور.. وصديقك من صدَقك لا من صدّقك.. إلى اللقاء.