سلمان بن محمد العُمري
أستهل هذه المقالة بقصة قصيرة من الماضي لها دلالاتها ومعانيها ولها ارتباط بمدار الحديث التالي: (حينما زار الملك فيصل -رحمه الله -الكاميرون ضمن جولته الأفريقية المشهورة، وحين اجتمع مع رئيس الكاميرون تولى الترجمة شاب من أبناء البلاد عليه من السكينة والوقار والفصاحة وسلامة النطق وجودة اللغة العربية، وعندما تم اللقاء مع الوفد وهم بالخروج. قال الملك فيصل للمترجم: يا هذا إن لغتك العربية جيدة وإن تعبيرك فصيح وسليم العبارة، فمن أين تعلمت اللغة العربية؟ فأجاب الشاب: ياجلالة الملك إني وليد إحسانكم وثمرة غرسكم بعد توفيق الله، فلقد تخرجت من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بحمد الله).
هذه القصة مضى عليها أكثر من خمسين عاماً وعدد خريجي الجامعة الإسلامية منذ نشأتها وحتى الآن ما يزيد على سبعين ألف متخرج، وهذا العدد غير خريجي الجامعات السعودية الأخرى التي استقبلت طلاب المنح، وقد انخرط كثير من الخريجين عند رجوعهم إلى بلادهم في سلك الدعوة والتعليم والقضاء الشرعي، وتولى بعضهم مسؤوليات مهمة وتقلدوا مناصب رفيعة فمنهم الوزراء والسفراء وأعضاء مجالس برلمانية ورؤساء دار الفتوى فضلاً عن الأئمة والخطباء، وغير خاف أن نظام الجامعة الإسلامية ينص على أن يكون 85% من طلاب الجامعة من خارج المملكة، وأنه صدرت التوجيهات السامية الكريمة للجامعات السعودية باستقبال ما نسبته 5% من عدد الطلاب من طلاب المنح الدراسية من الخارج، وبهذا فإن أعداد الدارسين من أبناء العالم الإسلامي يزيدون عن المائة ألف بكثير، ولكن للأسف لا يوجد إحصاءات دقيقة لدى وزارة التعليم أو غيرها عن عدد خريجي الجامعات السعودية.
وعلى افتراض أن العدد 100.000مائة ألف دارس، يبقى السؤال العريض: كيف يمكن استثمار هذا العدد في خدمة ديننا وبلادنا وخدمة مجتمعاتهم أيضاً، وتفعيلهم لاسيما وأننا رأينا العديد من المبرزين منهم وجهودهم في بيان مفهوم الإسلام الصحيح والدعوة إليه ونبذ الفرقة والخلاف وجهودهم في التصدي للعقائد المنحرفة والتصدي للإرهاب، وبيان موقف الإسلام منه، وجهودهم في مواجهة الحملات الإعلامية التي تتهم الإسلام بالإرهاب، وجهودهم في الرد على الحملات المغرضة والدعايات السيئة ضد بلادنا وجهودها في خدمة الإسلام والمسلمين وعلى المشككين بأعمالها الإغاثية والخيرية.
إن التواصل والتفاعل مع خريجي الجامعات السعودية من طلاب المنح لازال دون المؤمل، ولم يتم استثمار هؤلاء «السفراء» و «الأبناء» الاستثمار الفعلي، وأتمنى أن تبادر وزارة التعليم عبر جامعاتنا وعبر الملاحق الثقافية في دعم التواصل، وأن تبدأ الخطوة الأولى بتوثيق أسماء وعناوين الخريجين، ومن ثم تطبيق خطوات عملية للتواصل عبر ملتقيات إقليمية وتبادل زيارات ودعوات لحضور المؤتمرات والمنتديات العلمية والثقافية لدينا، والاستضافة للحج والعمرة ودعمهم بالمطبوعات، ودعوتهم لحضور احتفالات سفارات المملكة باليوم الوطني والدعم المادي والمعنوي للشخصيات المبرزة منهم ومساعدتهم بما يسهم في خدمة دينهم ومجتمعاتهم، وكذلك ما يمكن أن يسهموا به في خدمة المملكة وتعزيز رسالتها السامية.
إن هذا العدد الافتراضي وغير الدقيق من خريجي الجامعات يشكل لنا قوة ناعمة يمكن أن تسهم في تعزيز التواصل مع البلدان والشعوب في العالم، فمن درسوا لدينا في المملكة يمثلون أكثر من 170 بلداً في العالم، وعدد السفارات لدينا في العالم يقل عن120 سفارة، ولدينا فعلياً أكثر من مائة ألف سفير في العالم في170بلداً هم من المحبين للمملكة العربية السعودية، ويؤكدون في أكثر من مناسبة ويعبرون قولاً وعملاً عن حبهم لبلادنا ولقيادتها الرشيدة، ويكنون التقدير لعلماء البلاد، ويذكرون فضل بلادنا عليهم وعلى الأمة، ولابد من تقوية سبل الاتصال والتعاون فيما بين الجامعات السعودية والهيئات المعنية بالإفادة من جهود الخريجين في كافة المجالات.