د.فوزية أبو خالد
رغم ظروفي الخاصة غير المواتية كثيرا إلا أنني حرصت طالما أنني أقيم هذه الفترة بنيويورك على متابعة ملتقى المنتدى الاقتصادي والاجتماعي للشباب الذي عقد آخر يومين من الشهر الأول للعام الميلادي الجديد وذلك تحديدا يوم 30 و31 يناير 2018 بهدف توسيع الحوار عالميا وتبادل الآراء والتجارب الشبابية في التقدم على جبهة العمل لإنجاز التنمية المستدامة في مختلف المواقع الجغرافية للمجتمع الدولي فقيرها وغنيها مدنها وأطرافها ببلوغ العام 2030.
وبما أن مالايدرك كله لايترك جله فقد تمكنت ببعض الجهد من حضور اليوم الثاني وخاصة الجزء المخصص لكلمات الشباب التي ألقاها ممثلو الشباب الدائمين بالأمم المتحدة أو الزائرين منهم للمشاركة في هذا اللقاء على وجه التحديد. وكان منها كلمة رئيسة المنتدى الاقتصادي والاجتماعي للشباب وهي الشابة السيرلنكية الجميلة جايماثما ويكرامانايك Jaymathma Wickramanayke (UN Youth Envoy) وكذلك كلمة الشباب من السعودية ممثلة بكلمة الشابة السعودية الحيوية رزان فرحان العقيل.
ومع تنوع اللغات التي ألقى بها الشباب بها كلماتهم بين لغاتهم الرسمية وبين اللغة الإنجليزية فقد كان يفترض أن تكون كل كلمة منها أي كانت لغتها تعبيرا عن صوت الشباب عالميا عبر تقديم تجارب الشباب في مجتمعاتهم والحديث عن أحلامهم. غير أنه كان هناك عدد من النقاط الملفتة للنظر في ذلك اللقاء.
النقطة الملفتة الأولى أن ليس كل كلمات الشباب قد قام بتقديمها شباب إلا إذا اعتبرنا أن من خط شعرهم الشيب ممثلين للشباب في أوطانهم. والحقيقة أنه لم يكن هناك مجال لأسأل في الموضوع. فأسقط في يدي هل يرجع ذلك لشح الشباب في البلدان التي ينتمي إليها أصحاب الكلمات من غير الشباب أو أنه يرجع لعدم تمثيل الشباب بالشباب كما تفترض طبيعة اللقاء أم أن الأمر يتجاوز هذا وذاك من التفسيرات الساخرة «المعتادة « ويعود لتخطي الأمم المتحدة للمعايير التقليدية للعمر في انحيازها لحقوق الإنسان. فيصير العمر مثله مثل النوع الاجتماعي أو أيا من قوالب التحيزات ليس معيارا للتمييز السلبي بين البشر.
على كل كان حضور عدد من ممثلي الأمم المتحدة ومن مثلي الشباب ممن لم يكونوا حقا في شرخ الشباب لذلك اللقاء الشبابي, وإن كان من النقاط الملفتة, إلا أنه كان من حظي أولا لئلا أشعر بالغربة وثانيا لئلا يتخلى من تخطوا عمر الشباب عن شباب العقل والوجدان ولا عن أحلامهم الشبابية.
النقطة الثانية التي لفتت نظري في ذلك اللقاء هي تخلص بعض المجتمعات ممثلة بكلمات شبابها باللغة الإنجليزية على خلاف لغتها الرسمية أيا كانت عن فوبيا القوميات إن صح التعبير. والحقيقة أنني لم أستطع شخصيا أن أصل لتحديد موقف قاطع في الأمر. فعند سؤالي للبعض ومنهم ممثلة الشباب السعودية لماذا كانت كلمة الشباب باللغة الإنجليزية وليست باللغة الأم.. تعددت الإجابات بما ينم عن موقف جديد على المعتاد من اعتبار اللغة مقياسا حتميا من مقايس برهنت الولاء والانتماء. فواحد من الشباب قال إنه فعل ذلك لأن لغته الأم ليست في جودة لغته الأجنبية بسبب تعليمه طوال عمره الدراسي بمدارس إنترناشونال لغتها الرئيسة الإنجليزية. وهناك من كان مثل رزان ورأى أن اللغة الإنجليزية لغة عالمية تساعد على التقارب العالمي لأنها تشكل عاملا مشتركا بين شباب العالم أيا كانت لغاتهم خصوصا في عصر الثورة التقنية التي تكاد أن تكون لغتها العالمية اللغة الإنجليزية دون منازع , وإن كانت الفقرة الأخيرة من الجملة شرحا من إضافتي للمزيد من توضيح الفكرة. وإن كنت أيضا أظل رغم كل ماقلته وكل ما أبديه من انفتاح من الجيل الذي يعز عليه وإن أجاد لغة أخرى التخاطب في محافل دولية بغير اللغة الأم خاصة بوجود ترجمة احترافية فورية.
النقطة الثالثة من ملاحظاتي تتعلق بمضمون الكلمات التي ألقاها الشباب في التعبير عن صوت وتجارب الشباب في مجتمعهم. ولكن قبل أن أعرض لذلك أو حتى يفهم ما أريد قوله بصدد هذه النقطة لابد أن أُعرف بالمرتكزات الأساسية لهذا المنتدى أو المجلس الشبابي الأممي التي يهدف العمل على التنمية المستدامة إلى الإنجاز في مجال كل مرتكز من مرتكزاتها وهي على التوالي, مواجهة الفقر ,المساواة الاجتماعية والسلامة البيئية. إلا أن الغريب أن القليل من الكلمات التي حملها الشباب للتعبير عن عمل وأمل الشباب في بيئتهم الوطنية وفي توجههم الأممي جاء معبرا عن أي من تلك الأهداف. بل أن الأغرب أن عددا غير قليل ولا أعمم من كلمات الشباب كممثلين لتلك الشريحة الحيوية من المجتمع الدولي التي تتجاوز مانسبته 18% بالمئة من النسبة العالمية لسكان الأرض قد جاءت كلمات أقرب إلى الخطب الإنشائية التي عادة مايعبر بها الكبار في المحافل الدولية والمناسبات الرسمية. والسؤال الذي ساورني بل أقلقني هو سؤال دقة التمثيل من ناحية وحرية التعبير من ناحية ثانية. فهل جاء هؤلاء الشباب بترشيح واسع من شبيبة بلادهم بناء على انغماسهم وتميزهم في مجال النشاط الشبابي لمجتمعاتهم أم أنهم جاؤوا في تمثيل محدود بطبيعته للجهات الرسيمية أو حتى الأهلية التي قامت بترشيحهم لحضور هذا المحفل الشبابي ليتكلموا بما لايشبه الشباب تجاربا وطيشا وحماسا وحلمية وأخيلة وطموحا بل بما يشبه الرسميين من غير جيلهم تحفظا وسكونا. وهل جاء الشباب بضوء أخضر للحديث بحرية عن واقع مجتمعاتهم ليتشاركوا جروح المحدوديات وأفراح الانتصارات وليتعلموا من نقد الإخفاقات وتعريضها للشمس والهواء على رؤوس الأشهاد أم جاؤوا إلى مبنى الأمم المتحدة بنيويورك قاطعا معظمهم آلاف الأميال من الطيران ليتحدثوا وكأن على رؤوسهم الطير فلا نعرف من تجاربهم الشبابية في مجال مواجهة الفقر والمساواة وسلامة البيئة إلا خطاب تطميني بأن الأمور على مايرام. دون أن نعرف كيف لنشر عدوى النجاح إن كان الأمر كذلك حقا.
أما ملاحظتي الأخيرة فإن الحديث كل الحديث قد أنصب على أهمية مشاركة الشباب عالميا في الاقتصاد والاجتماع إلا أن أقل من القليل منه ما حفل بالحديث عن المشاركة الفكرية أو المشاركة السياسية للشباب. وهذا سؤال يوجه للأمم المتحدة نفسها فكيف لتنمية مستدامة أن تتحقق وخصوصا في مجالات حيوية كمواجهة الفقر وتحقيق المساواة الاجتماعية والأمن البيئي إذا لم يكن للشباب دور في صناعة الفكر وفي صناعة القرار؟!