د.عبدالعزيز الجار الله
الألحان العذبة التي تأتي من الدانات والمقامات هي التي تولد من حزن الملحن أو المؤلف أو المؤدي أو المنشد، والموسيقار الذي رحل عنا قبل أيام سراج عمر يرحمه الله رحمة واسعة ويتقبله ويغفر له عاش حالة حزن قرارها من الواسع العريض بوفاة الملك فيصل -رحمه الله وطيب ثراه-، وعلى بحر هذا الحزن الجارف صاغ سراج عمر نشيد:
بلادي بلادي منار الهدى
ومهد البطولة عبر المدى
تأليف الشاعر سعيد فياض، حيث عاش سراج عمر حزن رحيل الفيصل الذي كان حينها ملك فيصل الرمز لشباب الوطن والأمة العربية والأمة الإسلامية وسط تحديات داخلية وخارجية والفيصل يحاول ويعمل على أن تتجنب بلادنا صراعات المد العربي الناصري الذي جعل من اليمن قاعدة للنيل من استقرار السعودية، والصدمات الموجعة التي تعرض لها الإنسان العربي بعد هزيمة حزيران 67م حرب النكسة العربية الإسرائيلية، ثم المواجهة النفطية السعودية مع الغرب إبان حرب 73م، وتحديات الداخل النهوض ببلدا يحاول أن يخرج من زمن النمطية وتقليدية الماضي إلى دولة حديثة تجدد عمرانها وأسلوب حياتها.
في ظل هذه الظروف السياسية والاجتماعية والحضارية ولد سراج عمر على الساحة وولد نشيد بلادي، الذي أصبح من الأناشيد الوطنية الخالدة، وأبدع معها المخرج التلفزيوني عبدالله باجسير في أكمال النشيد بإخراجه للعمل في ربط النشيد بالصور التنموية التي بدأت تتشكل لجيل السبعينيات الميلادية الذي ولد هو الآخر مع بداية اقتصادية وحضارية جديدة في أوائل ومنتصف السبعينيات عندما بدأت تتدفق عوائد النفط المالية لتقفز من 6 دولارات للبرميل الواحد إلى 40 و60 دولاراً في الدورة الاقتصادية الأولى، ثم تجاوز الرقم 100 دولار في الطفرة الثانية، وسراج عمر ينثر ألحانه مع المرحلة الجديدة وبهذا النشيد الذي لامس نبض الناس والوطن حين كانت المملكة تلبس أجمل ثيابها في حضارية عمرانية تحولت فيها المدن من أنماط الحضارات القديمة إلى طراز أوروبي حديث، والنَّاس خرجوا من عباءات الماضي إلى فضاءات التحضر والمنافسة العالمية.
لذا جاء النشيد يعبر عن حاضرنا وإن كانت نبرات وصوت اللحن وسراج مملؤة بالحزن الفائض في حب الوطن ليقول أننا دفنا حزن وجراح الفيصل والآن نستقبل عهد الخالد والفهد التي إطلق عليها عهد التنمية الحضارية، فنجد سراج في هذا النشيد مع عوامل عديدة يسرع خطوات جيل أواخر السبعينيات ممن هم في المدارس والجامعات لبناء مستقبل جماعي وواعد عبر شحنة من العاطفة الوطنية وصور شعرية وفيلمية تجسد هيئة الوطن الجديد.