د. عبدالحق عزوزي
هناك العديد من الأفكار السهلة والسياسات العمومية الممكنة التي وإن طبقتها الدول والأمصار ستصل لا محالة إلى بر الأمان. فبالله عليكم ما يمنع الدول العربية من تطبيق مبادئ الثقة والصدق والتعاون وهي الفضائل والأخلاق التي سطرتها لنا شريعتنا السمحة ونزلت فيها آيات بينات؛ ولا نراها إلا نظاماً للتعايش والتسيير، ومن أهم الأسس التي دفعت دولاً مثل النرويج والسويد والدنمارك لتمثل قائمة الدول الأكثر تفوقا على عكس الثقافات التي تسيطر عليها أفكار انعدام الثقة والتعاون. والثقافة هي المشكلة الأساسية ليست فقط من خلال القراءة ولكن عن طريق التجربة، والنجاح دائما ما يكون صعبا لأن النجاح يحتاج إلى ثقافة مدعمة.
كما أن النظر إلى المستقبل هو محرك تقدم الأفراد والشعوب. وهناك فكرة رئيسية تشكل طريقة هذا النوع من التفكير وهي أن العصر الذهبي للإنسان هو في المستقبل وليس في الماضي. هاته هي الثقافة الصحيحة، والثقافة هي أم جميع الأفراد والجماعات والمؤسسات وهي على حد تعبير «أليكس دوتوكفيل» عادات القلب والانطباعات التي تملك الإنسان والأفكار والتي تشكل عادات تفكيره. وهذا على نقيض الثقافات التي تسكنها قاعدة أن الماضي يجب أن يكون أفضل من الحاضر وبالتأكيد أفضل من المستقبل المجهول والمتوحش... ونتيجة هاته الفكرة هي التثبيط التي تغلق الفكر وتقعده وتمنع الفرد من الحركة... فإذا أردنا الحلول علينا أن نطرح السؤال الجيد وننظر فقط إلى داخل أنفسنا.
كما أن الدول المتقدمة ازدهر اقتصادها عندما أنشأت مؤسسات اقتصادية احتوائية، وأخرى خفقت عندما غفلت عنها وأنشأت مؤسسات اقتصادية إقصائية سمحت بتركز السلط...
المؤسسات الإقصائية وإن أظهرت نجاحها الباهر اقتصاديا كما هو شأن بعض الدول فإن ذلك ليس بسمة من سمات الدوام والثبات؛ ويبقى رهين الأمواج والتذبذبات؛ ثم هي في غالب الأحيان تبقي المجتمع في غيابات الخوف والترقب من السلطة المركزية القوية الإقصائية وهو شأن دول عديدة كليبيا القذافي وتونس بنعلي ومصر مبارك؛ إذ ازدهرت تلك المؤسسات الاقتصادية في المركز والمحيط إلى أن عم الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فانفجر الوضع الاجتماعي العام وأتى على رؤوس القوم محاولاً تغيير تلكم المؤسسات الجارفة؛ ولكن بعد عقود من ترسيخ المؤسسات الإقصائية تولدت في أذهان الناس عقليات وسياسات تقصي ولا تحتوي، تبعد ولا تشجع، تراقب ولا تحرر، تعاقب ولا تجازي... أما المؤسسات الاقتصادية الاحتوائية فإنها ترسخ قيم العدالة، وتشجع الاستثمارات في الطاقات والصناعات المتجددة والتكنولوجيات الحديثة، وتفرخ المهارات وتبرزها إلى الوجود، مما يؤدي إلى نمو اقتصادي أكثر من المؤسسات الاقتصادية الإقصائية التي بنيت لتستولي القلة على الموارد من الكثرة؛ وهنا أفكر في دولة ليبيا والتي إذا لم يكف جزء قليل من أبنائها الذين يفخر بهم العالم العربي والإسلامي عن دعوات الانفصال والاستقلال الذاتي، ستبنى مؤسسات اقتصادية إقصائية خطيرة زيادة على غياب سلطة مركزية سياسية واقتصادية قوية، وإرث تاريخي كارثي أقصى ولعقود الإنسان المواطن ومنع المجال السياسي العام من الوجود.
فالأمم تزدهر عندما تبني مؤسسات اقتصادية تحمي وتحرر، وتمكن الجميع فقيرهم وغنيهم، صغيرهم وكبيرهم، أعلمهم وعالمهم، من الابتكار والاستثمار والتطور.
ودروس التاريخ المتعددة المتشابهة لا يمكنها أن تخطئ وهي مثل دروس الحساب والجبر التي أجمع عليها الثقلان؛ فأنت لا تستطيع أن تتصور نظاما ماليا سليما داخل مجموعة بنكية إن لم يكن لديك إدارة ومجلس إدارة سليمين؛ ولا تستطيع أن تتصور نظاما اقتصاديا سليما إذا لم يكن لديك نظام اقتصادي واجتماعي وسياسي سليم... فيلزم النمو الاقتصادي المستدام الابتكار الذي لا يمكن أن ينفصل عن الدمار الخلاق الذي يحمل الجديد محل القديم في عالم الاقتصاد، وهذا كلام أظنه صائبا ويجد له مكانا في عالمنا العربي حيث إن الدمار الخلاق يجب أن يطرق فروعا شتى وعلى رأسه التعليم دون الحديث عن الاقتصاد ومجالات أخرى...
فالسياسات التعليمية تشابهت ولعقود، والعقليات عند العرب والبربر من أهل المدر والوبر تشابهت، وإذا تغيرت حكومة أو مسؤول في قطاع عام تراه ينسج على منوال سالفه ويحتذي منه بالمثال، ويذهل عما أحالته الأيام من الأحوال واستبدلت به من عوائد الأمم والأجيال؛ لذا نرى الدول العربية في أسفل المراتب بين الأمم في مجال التربية والتعليم، ناهيك عن الاقتصاد.