محمد عبد الرزاق القشعمي
قابلت الشاعر الساخر محمد المشعان أثناء إقامة بعض النشاطات الثقافية في النادي الأدبي أو جمعية الثقافة والفنون بالرياض، وكان والحق يُقال يتمتع بأخلاق عالية وابتسامة لا تفارقه، ويبادله الجميع حباً بحب، إذ لم أجد له كارهاً. فهو خفيف الظل سريع البديهة.
ازداد إعجابي به بعد اطلاعي على ما كتبه عنه الشاعر والوزير غازي القصيبي في كتابه (صوت من الخليج) تحت عنوان: (آخر الظرفاء) عند ما قال: «يخيل إليّ أحياناً أن الظرفاء قد انقرضوا، وأن (النظام الدولي الجديد) لا يعني سوى قدوم عصر الثقلاء، لا تكاد تجد من يضحك حتى من المضحكات، ويستحيل أن تجد من يضحك من نفسه... أصبحت الحياة كئيبة كآبة الوجوه التي تقابلها في المكتب وفي الشارع وفي المطعم، حتى (النكت) أصبحت قديمة مكررة.. انغمس الشعراء في قضاياهم وأنتجوا شعراً ينزف ناراً ودمعاً ودماً - إلى بقية المعزوفات المعرفة.
من أين جاء، إذن، هذا الشاعر الظريف، محمد بن سعد المشعان، يتأبط خيراً (ديوان غرابيل؟). أظن، ولا أجزم، أنه جاء من فترة ما قبل التاريخ، أعني ما قبل النظام الدولي الجديد ... إلخ» وأختار بعض المقاطع من بعض قصائده أو على الأصح غرابيله، واختتم ما كتبه عنه على مدى 4 صفحات بقوله: «... وفي الديوان المزيد، لمن أراد أن يهجو رئيسه، فلم يستطع أو يداعب أهل الصحافة فلم يقدر أو يشاغب بعض الشعراء فجبن:
أما بعد يا ابن مشعان! لو كنت أمامي عندما انتهيت من قراءة الديوان لقلت:
أنفح الشعرور أجرة
أعطه ثوباً وغترة
أعطه خفاً سميكاً
فحفي الرجلين.. ضرّه
ثم خذه لطبيب الحي.. فليدخل إلى
عينيه - بعد الغسل - قطره
«أما وأنت بعيد مني
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال»
اذهب.. فأنت آخر الظرفاء!
ومع ذلك استمر يطالع القارئ كل أسبوع من خلال جريدة الرياض والتي أصبح بعد تقاعده يعمل بها كمستشار ومراقب لبعض المواد قبل نشرها. واستمرار زاويته الأسبوعية (غرابيل) ولما يزيد على العشر السنوات، وكانت غرابيله قصائد مغلفة بالسخرية والطرافة والظرف ومحملة بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد جمع بعض الـ(غرابيل) في كتاب أصدره عام 1413هـ قائلاً: «أقدم بين يدي القارئ (غرابيل) على اعتبار أنها نوع من الحديث عن المتاعب التي تصادف الناس في هذه الحياة.
والغرابيل بمعنى المتاعب، أو مشكلات الحياة شيء أساسي في مسيرة الإنسان الدنيوية بدليل أن أصدق القائلين سبحانه يقول: (لقد خلقنا الإنسان في كبد).
ثم إن (غرابيلنا) هذه مجموعة من الآراء تتسم في الغالب بالسخرية الهادفة (...) وقد اخترت منها ما هو من شعري، أو ما صاحب شيئاً من شعري، وأبحت لنفسي تسميته (ديوان غرابيل) من باب تغليب جانب الشعر لأنه في واقع الأمر لا يخلو منه موضوع واحد من موضوعات هذه (الغرابيل).. ».
وأهدى الديوان إلى القارئ مع التحية الطيبة:
خذ (الغرابيل) قولاً لست أمدحه
إن (الغرابيل) من نسج الغرابيل
إليك أهدي (غرابيلاً) مغربلة
إليك أرسل إنتاج المناخيل
فإن فهمت من الإهداء مقصده
فأنت تعرف تزميري وتطبيلي
وإن جهلت فلا حولٌ لكاتبها
ولن تفيدك أعذاري وتعليلي
وعند تصفح الديوان لا بد من اختيار بعض القصائد الخفيفة اللطيفة والمسلية ومنها قوله عن من يبحث عن وظيفة:
إلى المدير...
مع أطيب التقدير
رسالتي كبسمة خفيفة
بأني أبحث عن (وظيفة)
تمدني بلقمة نظيفة..
فأخدم الوطن..
وأختفي عن وطأة الزمن..
فهل ترى رسالتي تسعفني
أو يقلب الدهر لنا
ظهر المِجن..؟
وعن التشجيع الرياضي والتعصب لفريق دون آخر يقول:
لا تجعلن من الرياضة سلَّماً
ترقى به الشحناء بيا (شحناوي)
سيان آزرت (الهلال) مشجعاً
أو كنت - حين هتافهم - (نصراوي)
أو قلت: عاش (الاتحاد) ولم تقل
إني - وأرفع هامتي - (أهلاوي)
واهتف لكل الدار واحضن أهلها
إن كنت من (دارين) أو (جدَّاوي)
وكان قد صدر للمشعان ديوان شعر (إضاءات) عام 1405هـ - 1985م عن جمعية الثقافة والفنون وهو عبارة عن مقطوعات رباعية ساخرة.
كما صدر له ديوان (ومضات) عام 1410هـ - 1990م عن نادي الرياض الأدبي، قصائد رباعية.
ونجد الدكتور إبراهيم المطوع يكتب عن المشعان ترجمة وافية في (قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية) قائلاً: ولد في حي المربع بالرياض، حيث والده يعمل إماماً لمسجد قصر الملك عبدالعزيز، وأن وفاة والدته وهو في السادسة من عمره قد أحزنته كثيراً ظهر ذلك في شعره. تلقى تعليمه الأولي في الكتاتيب ثم التحق بالمعهد العلمي بالرياض عند افتتاحه سنة 1373هـ ثم التحق بكلية الشريعة وتخرَّج فيها سنة 1380هـ وحصل على دورتين تدريبتين في الإدارة بالقاهرة وأمريكا.