خالد بن حمد المالك
على امتداد الوطن العربي، من شرقه إلى غربه، ومن محيطه إلى خليجه، ينتقل ويتنقل الإرهاب من دولة لأخرى في رحلات إرهابية مكوكية منظمة، ويُستقبل من مؤيديه والمنضويين تحت مظلته بما يجعله قادراً على نحر أجساد الأبرياء، وتخريب كل مبنى وشكل جمالي في المدن، والسطو على المال، والعبث بكل منشأة صحية أو تعليمية وغيرها، فالإرهابيون أعطوا لأنفسهم كل هذا الحق، وجميع هذه الصلاحيات، وحصروا الفتوى بهم، ومصير من يقاومهم هو القتل بدم بارد، في مشاهد دامية على ضفاف البحار، والأنهار، وحيث توجد الحدائق الجميلة.
**
بدأ الإرهاب رحلته الأولى مستهدفاً ديارنا، فمس مفاصل إنجازاتنا، وأوجد لغطاً حول مموليه ومصدره وأهدافه، إلى أن انكشف الغطاء، وظهر من كان مختفياً في دعمه، وأظهرت المعلومات ما كان مغيباً وسرياً، وبالوثائق والمعلومات الموثقة أصبحنا وأصبح العالم معنا على معرفة بأبعاد هذه الجرائم، ومن الذي يقف وراءها بالدعم اللوجستي والمادي والإعلامي، بما لا مجال للمجرمين للتهرب من المسؤولية، ومن الممارسات التي ترتكز على أجندة للعبث بأمن الدول وقتل الأبرياء فيها، وصولاً إلى الأهداف التخريبية التوسعية التي هي المدخل لمشروع فارسي واستعماري يجري توظيف عدد من الإرهابيين للتمهيد له، ومن ثم النجاح في تحقيقه.
**
صحيح أن جهيمان احتل الحرم المكي، وعبث بأقدس بقاع الدنيا، وأساء بعمله إلى صورة المسلمين في العالم، وأن هذه الجريمة كانت من بين مؤشرات الإرهاب الأولى الذي كانت المملكة باستقرارها ومكانتها الدينية والاقتصادية وجهته الأولى، ولكن علينا أن نفتش عن تلك الجهات والدول التي وقفت خلف ذلك، بما لا يمكن أن تغيب إيران عن المشهد، فالمقدمات بدأت بالمسيرات والمظاهرات للحجاج الإيرانيين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ليتطور الأمر إلى مقاومتهم لرجال الأمن السعوديين البواسل، وتكرار ذلك في أكثر من موسم من مواسم الحج، ولولا الحزم والقوة من رجال الأمن في مواجهة هذا العدوان لما كان حجاج بيت الله الحرام يؤدون -كما هم الآن- حجهم بسهولة وأمان ويسر.
**
وحين نتحدث عن الإرهاب، وعن رحلته الطويلة التي توسعت، بحيث لم تعد أي دولة أو قارة في مأمن من وصول هؤلاء الأشرار إلى ديارها، أو أن تكون لديها القدرة لتوصد أبوابها أمام هذه الأمواج من السلوكيات العدوانية، فنحن نتحدث ليس عن إيران - وهي رأس الأفعى - فحسب، فهناك حزب الله، والحوثيون، والإخوان المسلمون، وغيرهم كثير، بما يجعل دول العالم أمام مسؤولياتها في مواجهة هذه الممارسات العدوانية المنظمة، وأمام هذه التحديات الشرسة، فقد زاد الكيل، واستشرى حب القتل، وتمادى الإرهابيون، بينما لا تُظهر دول العالم تصميمها وصدقها في التنسيق لمواجهة عدوها المشترك.
**
أتصور أن إيران هي رأس الأفعى في نشر هذه التنظيمات الإرهابية، وفي دعم كل عمل تخريبي يخل بأمن الدول، وفي السعي لجني مكاسب من وراء هذه السياسة الإيرانية، وستستمر في أداء هذا الدور، طالما اقتصر موقف دول العالم على الشجب والإدانة بالكلام، دون أي ردة فعل يرتقي إلى مستوى منع الإرهاب من التوغل في الدول والمجتمعات، فالتعامل الرخو مع إيران سوف يشجعها على المضي في هذه السياسة دون وجل أو خوف، وبما يقود إلى كوارث أكثر بكثير مما أنجزته على مدى أربعة عقود من برامجها الإرهابية التي مس ضررها أغلب دول العالم، وإن كان نصيب منطقتنا هو الأغلب والأعنف والأكثر سوءا ودمويةً.