د. محمد عبدالله الخازم
اثنان وثلاثون عامًا من الاحتفاء بالتراث والثقافة، من بذرة صغيرة وحلم صغير بتمثيل تراث المملكة في مكان واحد إلى مهرجان يمتد أيامًا عدة، ويقصده الزائر من داخل الوطن وخارجه، ومدينة متكاملة تجمع عروض التراث والترفيه والثقافة. هذا هو مهرجان الجنادرية الذي قام على فكرته وتطويره وتشغيله بكفاءة وزارة الحرس الوطني، التي أيقنت أن التخصص العسكري والأمني لا يمنعها من رعاية التراث والثقافة.
لن يكون حديثنا عن المحتوى والنجاحات التي يلمسها المراقب والزائر، لكن عن تطوير هذا المهرجان إلى قرية تراثية وترفيهية دائمة. تطوير يجعلني أتخيل زيارته نهاية الأسبوع في أي وقت من العام مع أسرتي.. آخذ أطفالي للملاهي المجاورة للقرية التراثية؛ ويسعدون بساعتين أو ثلاث من اللعب، ثم نذهب للأكل في مطاعم القرية التراثية، قبل أن نأخذ جولة تستمر ساعتين أو ثلاثًا في مرافقها، والاطلاع على بعض عروضها، قبل أن نختم جولتنا بزيارة ميدان الفروسية أو الجِمال غير البعيد لمشاهدة بعض استعراضات الخيل أو الجِمال، والاستمتاع بعروضها الترفيهية، أو مشاهدة عرض مسرحي أو سينمائي في صالة العروض بالقرية. أتخيل كل ذلك وقد أوقفت سيارتي في المواقف المخصصة، واستخدمت وسيلة النقل الترددية بين مكونات القرية التراثية الترفيهية السياحية. طبعًا أولادي الكبار لن تعجبهم الملاهي؛ لذلك سيستغلون فترة الصباح في ميدان السيارات المجاور.
أريد تحول الجنادرية إلى قرية ترفيهية سياحية تراثية ثقافية دائمة.. ولا بأس في أن تحتضن مهرجانًا سنويًّا ثقافيًّا مكثفًا أو سباقات منظمة للخيل والهجن، وغيرها من الفعاليات. الحرس الوطني كان متميزًا في تبني نشاط ثقافي رغم تحفُّظ البعض على ذلك باعتباره مؤسسة عسكرية، ونريد استمرار التميز في الجانب الاستثماري بتحويل الجنادرية إلى شركة تطوير الجنادرية؛ لتصبح قرية دائمة ذات مصدر استثمار ودخل مُجْدٍ.
عندما أُسس المهرجان لم تكن هناك هيئة سياحة أو ترفيه أو ثقافة؛ وهنا يحسب للحرس الوطني مبادرته في ظل فراغ تنظيمي في السياحة والترفيه. وبعد تأسيس تلك الهيئات نجدها تغرد بمشاريعها الحديثة، لكنها لا تقترب من الجنادرية باعتبارها وليد الحرس الوطني؛ ولا أحد يستطيع أخذ الوليد من أمه الحنون. لقد شب الوليد، وآن له أن يستقل؛ لذا نطالب وزارة الحرس الوطني وهيئات السياحة والترفيه والثقافة وتطوير الرياض بالجلوس على طاولة واحدة لمناقشة مستقبل مهرجان الجنادرية ومرجعيته المستقبلية وآليات تطويره؛ ليكون قرية تراثية ثقافية ترفيهية سياحية دائمة، تشكل الرئة الشرقية الترفيهية للرياض، عطفًا على العمل في تأسيس الرئة الغربية المتمثلة في مشروع القدية الترفيهي، بل أطمح إلى أن تكون إحدى ورش الجنادرية التي يشارك فيها ممثلو الجهات أعلاه والمهتمون بمستقبلها!
رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تحرص على البُعد الاقتصادي في مشاريع الدولة؛ لتكون منتجة وذات جدوى استثمارية، وفي الوقت نفسه تسعى إلى تطوير المحتوى الترفيهي. قرية الجنادرية الثقافية الترفيهية مشروع استثماري ترفيهي ثقافي جاهز للقطاف بإضافات استثمارية بسيطة، بفضل الجهود المبذولة في تطويره على مدى 32 عامًا، وكل ما تحتاج إليه نقلها من إدارة الحكومة إلى إدارة استثمارية، تعمل على التحليق بها كمشروع دائم.