«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
عندما يشاهد الواحد منا هذا الإقبال الكبير على مهرجان الجنادرية، وما يشتمل عليه من فعاليات، قد يتساءل البعض: لماذا هذا الإقبال؟ ولماذا بعضهم يقطع المسافات قادمًا للعاصمة الرياض من منطقة غربية أو شرقية أو الشمال أو الجنوب؟ وما هي الأسباب التي تدفعهم إلى ذلك، وتحمُّل متاعب السفر مهما كانت الوسيلة التي استُخدمت في القدوم، أكانت طائرة مريحة، أو قطارًا سريعًا، أو سيارة خاصة، أو حتى حافلة؟ مساء الجمعة الماضية كان لي شرف الحضور والمشاركة في «جلسة أصدقاء أول جدارية في الجنادرية» بدعوة من مؤسسة مسك الخيرية «معهد مسك الفنون». ولن أتحدث عن هذه الجلسة هنا؛ فربما كتبت عنها لاحقًا، لكن أخصص هذه الإطلالة اليوم لهذا الإقبال الكبير والمدهش والمثير في الوقت نفسه. في طريقي لقرية «الجنادرية» من محل إقامتي كنتُ أشاهد هذا التطور والنمو السريع للعاصمة الحبيبة «الرياض»، وكيف امتدت في مختلف الاتجاهات، ورحت أتذكر كيف كانت الرياض قبل 32 سنة عندما حضرت للمشاركة في أول مهرجان من خلال معرض الفنون التشكيلية. أذكر جيدًا أن الصحراء قبل العقود الماضية كانت تسترخي بهدوء حولها، أما اليوم - ما شاء الله - فقد زحفت المباني والمخططات لتبتلع أجزاء كبيرة من الصحراء. كانت السيارة تشق طريقها بصعوبة في طريقنا إلى «الجنادرية»، ولولا الوجود الكثيف لرجال المرور لما وصلنا؛ إذ كانوا - والحق يقال - يبذلون جهودًا طيبة ومشكورة لتنظيم سير مئات الآلاف من السيارات والمركبات التي تتزاحم في شوق للوصول للقرية، التي باتت فاتنة بما تضمها بين أحضانها من فعاليات ونشاطات ومعارض مزدحمة بألوان مختلفة من التراث والموروث والتاريخ. ومن خلال هذا المشهد نستطيع أن نجيب عن تساؤل هذا البعض: لماذا هذا الإقبال؟ لا شك أنه نوع من العشق لكل جديد أو ممتع يتوقع هؤلاء وأولئك أن يحظوا بمشاهدته والاستمتاع بسماعه أو توثيقه، أكان هذا الشيء رقصة وطنية لم يشاهدوها مباشرة، أو أعمالاً فنية تعرض في أحد الأجنحة، أو يريدون اكتشاف أشياء جديدة تعرض لأول مرة في أجنحة أو أقسام المهرجان. وهو أيضًا نوع من التوق لمعرفة ذلك وأكثر؛ وبالتالي تتنامى مع الواحد منا مشاعر الرغبة والوله للمشاهدة والاكتشاف. هذه الرغبة هي المحفزة على السفر لدول خارجية للمشاهدة والاستمتاع والمعرفة وزيادة الثقافة المعرفية، فكيف الحال عندما تتوافر مثل هذه الأشياء التي من أجلها يسافر البعض للمتة والمعرفة وهو يسمع عنها أنها موجودة في وطنه، وفي مهرجان كبير، يشكل حدثًا مهمًّا كل عام؟ فلا عجب أن نجد هذا الإقبال الكبير وهذه الحشود المتنوعة التي تجمع الشيوخ والشباب والأطفال في مكان واحد، جميعهم حضروا من أجل الترفيه البريء والمتعة المعرفية والوله للمعلومة والاستكشاف، والاستمتاع بما يشاهد في هذه القرية التي باتت مترامية الأطراف، تتنافس أجنحتها وأقسامها في تقديم كل ما يسعد الزائر. ولعل كل زائر جاء وحيدًا إلى هذه القرية يشعر بالأسف لحضوره وحده ولم يرافقه أفراد أسرته؛ ليشاركوه متعة المشاهدة. فمن الأشياء المحببة لدى الإنسان أن متعته وسعادته لا تكتمل إلا بمشاركة من يحب في هذه الحياة، وبالطبع عادة تكون الأولوية للأهل، وبعدهم الأقارب والمعارف والأصدقاء. وهذا ما سمعته من أحد الزوار ونحن جلوس نحتسي الشاي في إحدى «الكافتيريات» المنتشرة في القرية. لقد ردد من أعماقه «يا ليتهم معي». وأردف «لكن ملحوقة؛ سوف أحضرهم الأسبوع القادم». وكان الرجل قد جاء من مدينة الخفجي في مهمة عمل بالرياض، وأحب مشاهدة الجنادرية. وإذا كان هذا الزائر قال ما في نفسه، وعبَّر بعفوية عن مشاعره، فهو عبَّر أيضًا عن مشاعر الملايين من أبناء الوطن وحتى المقيمين فيه.
الجنادرية قرية بحاجة إلى المزيد من التطوير والبرامج والفعاليات والمعارض التشكيلية، وحتى قاعات سينما تواكب العصر المتطور الذي يعيشه الوطن في زمن سلمان الخير وولي عهده الأمين.