رجاء العتيبي
إذا أردت أن تعرف حماسة الجماهير للحزب والانبطاح لقائده والإفاقة لاحقاً من (غسيل المخ) فاقرأ كتاب (سيكولوجية الجماهير) للفرنسي غوستاف لوبون, وابدأ قراءتك بتقديم مترجم الكتاب هاشم صالح، الذي أضفى على الكتاب عمقا وتوضيحا وتبيانا يجعلك تستوعب هذا العلم بكل تفاصيله, وتكتشف الأسرار النفسية للأفراد المتعصبين لأفكارهم.
الحزبي ليس بالضرورة أن يكون منتمياً فعلياً في التنظيم جيئة وذهاباً, وإنما قد يكون منضوياً في الحزب فكرياً, فيحلوا له ممارسة فكر الطائفة في المجالس والاستراحات ومكاتب العمل وبعض الكتابات والتويتات ومناكفة الخصوم هنا وهناك, وبعد أن ينهي حماسته للأيدلوجيا, يذهب لمنزله لممارسة دوره العائلي الطبيعي كأب أو كابن أو كصديق أو كموظف, ولكن فكره ـ في كل حالاته ـ (متسمم) وهذه هي الطامة الكبرى.
هذا الفرد واحد من عدد كبير من الجماهير تثور وتخاصم وتصارع لأجل فكرة يعتقد بصحتها, فما أن ينخرط هذا الفرد مع جماعته (الجمهور) حتى يتغير وينصهر معهم طمعا في (وهم) يأمله ويأملونه ,وربما كان هو وطائفته مؤثرين في حركة التاريخ كما أشار لوبون على الأقل في القرن التاسع عشر.
لوبون أشار في - موضع آخر - إلى أن الشائعة أقوى من الحقيقة, واعتبرها كذلك لصعوبة اكتشافها قديما, ولكنها في عصرنا الحالي ليست كذلك وتظل (شائعة) لسهولة اكتشافها بفضل الوسائل الإعلامية الحديثة كقنوات التواصل الاجتماعي, وهذا ما يجعل شائعات (خلايا عزمي) مكشوفة لا تأثير لها, فما أن ينشر شائعة عن السعودية والإمارات ومصر والبحرين إلا وتسقط في اليوم الثاني ويدحضها الإعلام المضاد للدول الأربع المناهضة للإرهاب.
إذا قرأت هذا الكتاب وغيره من الكتب اللاحقة التي تناولت (سيكولوجية) الجماهير, تكون أكثر قدرة على الإجابة على سؤال (الثورات العربية) الماضية, وتكون أكثر قدرة على فهم (تسيير) الجماهير في مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا, وستعرف أن وراءها أناس يستخدمون لغة مجازية ويضعون أمامك أحلاما وعبارات بسيطة يطرحونها كمسلمات ليس أمام الجماهير إلا الإيمان بها دون نقاش.
معرفة كل ذلك يجعلك في مأمن من مكر الثوريين العروبيين وأصحاب الإسلام السياسي, لأنك ستقابلهم بإعلام مضاد يدحض كل شعاراتهم الحالمة, بالعقلانية والمنطق والتحليل فهذا أشد فتكاً بكل شائعة تستهدف أمن الوطن.
من جانب آخر وهو الأهم , يمكنك أن تتعرف على نفسيات الجماهير وتتعامل معها بشكلها الإيجابي, في مجال التسويق والثقافة والفنون من خلال بحوثها المحايدة, لتبيع منتجاً لأكبر عدد ممكن من العملاء, أو لتكون قادراً على استقطاب أكبر عدد من الجماهير لمسرحيتك أو لفيلمك أو لمعرضك التشكيلي.
يحدث هذا في المجتمعات الآمنة, والاقتصاد المستقر والدولة المدنية, لهذا قررت الدول الأربع المناهضة للإرهاب مقاطعة قطر بعد أن تكشف لها لعبتها الخطيرة في تجييش الشعوب ودعم الثورات, قالت الدول الأربع كلمتها واتجهت للمستقبل, وتركت تنظيم الحمدين ومعاونيه من المرتزقة ليس لهم سوى بث الشائعات بمواصفات القرن التاسع عشر كبضاعة كاسدة, وسط مجتمعات خليجية باتت واعية لهذا الهراء, فتركتها واتجهت تبني المستقبل وهذا أفضل ألف مرة من الاستماع لقناة الجزيرة القطرية.