إبراهيم عبدالله العمار
وضع ضابط السجن روري ميلر كتاباً بعنوان «تأملات في العنف» وصف فيه العنف وحقيقته، ومن الأجزاء التي جذبتني كلامه عن تبريرات المجرمين، فهو يعمل في السجن ويتعامل معهم يومياً، وصار يعرف عالمهم بدقة، ولعلك تظن أن بعض الجرائم الشنيعة لا تبرير لها حتى في عقل المجرم، وأنه سيعيش في ندم، وهذا لا ينطبق إلا على البعض، أما المجرم الذي اعتاد نمط حياته هذا فلا يعرف تأنيب الضمير حتى لو ارتكب ما يشيّب الولدان، وخذ بعض المسوّغات التي يستخدمها هؤلاء:
- أحدهم قال لميلر: «أنا لست مجرماً، أنا فقط أسرق، ولم أؤذ أحداً». في نفس اليوم قال له آخر: «صحيح أني ضربتُ شخصاً حتى كاد يموت لكني لست مجرماً، فأنا لم أسرق قط».
- تشاجر مجرم مع رجل وهمَّ بقتله، حينها قفزت ابنة الرجل (عمرها 8 سنين) أمام المجرم لتحمي أباها فأتتها الطعنة القاتلة، ولم يضايق هذا الأمر القاتل أبداً، فماذا كان تبريره لنفسه لما قتل طفلة بريئة؟ أنه لم ينو قتلها، بل نوى قتل أبيها (الذي يستحق الموت في نظره)، لذلك هو ليس مجرماً.
- يتذكر قصة حصلت أول أيامه كحارس سجن، وهذا المجرم اقتحم بيت امرأة واغتصبها بعنف، فماذا قال لميلر؟ بكل براءة: «لست أنا من فعل الفعلة، بل الفاعل الحقيقي هو الكوكائين الذي تناولته وجعلني أفعلها، أما أنا (الحقيقي) فلا يمكن أن أفعل شيئاً كهذا أبداً!»
- أتاه أحد المسجونين وسأله: حضرة الرقيب، أتراني مجرماً؟ رد ميلر: لا أدري، ماذا فعلتَ؟ قال: كسرت جمجمة أبي بعصا بيسبول. قال: نعم، أنت مجرم. قال: هل أنا إنسان صالح؟ قال ميلر: إن الصالح لا يضرب الناس بعصا البيسبول! أعطاه المجرم نظرة استغراب وأخذ يفكر. لم يخطر على باله أنه شخص سيئ!
كل مجرم يجد تسويغات لا حصر لها ليكون بطلاً أو حتى ضحية في نظره. ويعلّق ميلر على استغراب المجرم ذاك من إجابته: ماذا كان يتوقّع؟ أن يخبره ميلر أن الطيبين دائماً يضربون غيرهم بالعصي؟