فوزية الجار الله
لست من أولئك المتهافتين المولعين بمتابعة التقنيات التكنولوجية الحديثة خاصة تلك المتعلقة بالهاتف الجوال، الذين يحرصون على تحديث هواتفهم أولاً بأول لأكثر من سبب، أهمها أنني أعلم جيداً بأن الشركات التجارية تفعل ذلك بشكل مستمر لجذب الزبائن وإغرائهم بالاندفاع للشراء، فلا يكاد يمر عام حتى تجد تقنية جديدة تم إصدارها قد تضطر معها إلى تبديل جهازك الجوال، فقد أصبح قديماً لأنه لا يتضمنها.
تناهى إلى سمعي مؤخراً بأن هناك تقنية جديدة «غريبة» سيتم استحداثها في الهواتف الذكية وهي أن الجهاز سيمكنك من معرفة مشاعر الآخر المتحدث معك في الطرف الآخر، فيما إذا كان يحبك أم لا؟! هذا الخبر يطرح عدة أسئلة هامة، أولها: كيف سيتمكن الجهاز من معرفة مشاعر الآخر تجاهك؟ عبر نبضات قلبه أم نبرة صوته أم عبر محاولة لرسم ملامحه، بما في ذلك إشاراته وإيماءاته وحركات يديه وأصابعه، أم من مجرد سياق الحديث فيما بينكما؟! لا يبدو الأمر بهذه السهولة.
السؤال الثاني: فيما إذا صحت هذه التقنية وثبتت مصداقيتها كيف سيكون رد فعلك بعد إنهاء المكالمة مع كل متحدث، وكيف ستصبح العلاقات بين الناس خاصة أن بعض هذه العلاقات ودونما كشف أو اختبار تبدو لك هزيلة، هشة لكنك تغض الطرف وتسير في الدرب الآمن من باب «لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم».
هذه التقنية ذكرتني ببرنامج امريكي سبق عرضه منذ بضع سنوات عبر إحدى القنوات الفضائية بعنوان (الحقيقة) تقوم فكرة البرنامج على استضافة أحد الأفراد، رجلاً أو امرأة، ويتم طرح عدة أسئلة عليه بحضور بعض من أقاربه وأصدقائه بحيث ينال جائزة عبارة عن مبلغ مالي كبير فيما لو استطاع الاعتراف بأدق خصوصياته بمنتهى الصراحة ودون مواربة أو تردد، ويكون هناك جهاز لكشف الكذب..
الذي يحدث غالباً في نهاية البرنامج أن إجابات الأسئلة تضرب بعضاً من أقاربه وأصدقائه الحاضرين في مقتل فلا تنتهي الحلقة حتى تكون العلاقات بينه وبينهم قد اهتزت بقوة وربما تحطمت.. على سبيل المثال قد تعترف المرأة بخيانة زوجها وصديقتها، أو بقيامها بعمل سيئ لا ترضاه والدتها على سبيل المثال، وربما يعترف آخر بخيانة شقيقه أو صديقه مع زوجته، وما إلى ذلك من الأمور الكارثية.
ليست كل الحقائق جميلة ورائعة ومطلوبة في كافة الأوقات، على العكس تماماً بعض الحقائق لا نريدها ونود أن نغلق بيننا وبينها ألف باب وباب.