د.سالم الكتبي
لا شك أن الإصرار الإيراني اللافت على الوجود العسكري في سوريا يمثِّل مصدر قلق للعالم أجمع، حيث بات هذا الوجود معضلة للأمن الإقليمي لأن ملالي إيران يستهدفون من خلاله تحقيق إستراتيجيتهم القائمة على التوسع والتمدد الإقليمي.
في معرض تعليقه على واقعة إسقاط المقاتلة «إف 16» الإسرائيلية، كشف علي محمدي، عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران عن أن الرئيس السوري بشار الأسد، كان مقتنعاً بترك السلطة في بدايات الأزمة السورية، ولكن تراجع عن موقفه عقب لقاء جمعه باللواء سردار همداني، حيث أكد محمدي أن همداني «أخبر الأسد بأنه لن يكون قلقاً إذا سمح بتوزيع 10 آلاف قطعة سلاح على الشعب وتنظيمهم، وأنه بذلك سيقضي على الخطر،» لافتاً إلى أن «همداني حشد 80 ألف من السوريين وأدخل حزب الله للمشهد وأصبح الجيش السوري بعدها أقوى، واليوم نرى أن الجيش السوري بات قادراً على إسقاط طائرة صهيونية.»
المغزى هنا أن الأسد بات مديناً لإيران بمنصبه، ومن الصعب عليه مطالبة ميلشيات الحرس الثوري بالرحيل، لاسيما أن هذه الميلشيات قد بدأت مؤخراً المرحلة الثانية من خطتها للإبقاء على الأسد ضعيفاً من خلال افتعال أزمات وتوترات حدودية مع إسرائيل، حيث يصعب فهم إرسال طائرات إيرانية من دون طيار للتحليق فوق المجال الجوي الإسرائيلي بمعزل عن مخطط إيراني لخوض حرب جديدة بالوكالة يدفع ثمنها بالكامل الشعب السوري مما تبقى من أمنه واستقراره!
تدرك إيران أن هناك رغبة في احتواء دورها ونفوذها في الشرق الأوسط، وأن هناك توافقاً دولياً على هذا الأمر، وبالتالي تريد أن تثبت أنها الرقم الأصعب من خلال ممارسة لعبة خلط الأوراق وتطبيق إستراتيجية إرباك تقوم على إشعال حرب في سوريا تخلط أوراق كل اللاعبين الإقليميين والدوليين وتؤجل أي مخطط لاستهداف إيران والضغط عليها للخروج من سوريا.
لا يعبأ ملالي إيران بمردود سياساتهم على الدول والشعوب، بل إن لديهم معايير ومفاهيم معكوسة للنصر والخسارة، حيث سبق أن احتفل «حزب الله» اللبناني، أحد أذرع إيران الطائفية، فيما سماه بانتصاره في حرب عام 2006 رغم الدمار والخسائر الهائلة الناجمة عن مغامرات الحزب في تلك الحرب!
يريد جنرالات الحرس الثوري افتعال مواجهة مع إسرائيل وخوض حرب بالوكالة ضدها في سوريا، وذلك من خلال فعل استباقي لأي هجوم إسرائيلي محتمل ضد إيران ومنشآتها النووية والعسكرية، إذ تبدو حسابات الربح والخسارة الإستراتيجية أن الحرب بالوكالة تظل أقل كلفة بالنسبة لإيران مما سواها من مواجهات مع إسرائيل أو غيرها، وبالتالي فهي تعمل على استحضار عوامل التوتر واستعجال المواجهة وافتعالها بما يوفر لها المقدرة على المناورة واختيار ساحة المواجهات بدلاً من انتظار التعرض لضربة عسكرية مفاجئة.
تعرف إيران أن خططها لإقامة قاعدة عسكرية في سوريا وما تتحدث عنه التقارير غير المؤكدة بشأن إقامة مصنع لإنتاج الصواريخ والمعدات العسكرية التي يحتاجها «حزب الله» اللبناني على الأراضي السورية، كل ذلك لم يمر مرور الكرام، لاسيما بالنسبة لإسرائيل التي توعّدت صراحة على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بأنها «لن تسمح بحدوث ذلك»، ولكن الملالي يمضون في مخططهم غير عابئين بأي تداعيات أو ردود أفعال، لأن سوريا وشعبها وسيادتها من سيدفع فاتورة غطرستهم ومخططهم!
في ضوء ما سبق: هل يمكن استيعاب ما يقوله بعض المحلّلين بشأن بداية مرحلة جديدة في الصراع مع إسرائيل عقب إسقاط المقاتلة «إف 16»، وأن ما يُعرف بمحور المقاومة قد انتقل إلى مرحلة جديدة من الردع وغير ذلك من أحاديث لا صلة لها بواقع الأمور ولا المنطق التحليلي السليم؟
الحقيقة أنه لا قواعد المعادلة قد تغيّرت ولا موازين القوى اختلت، وأن الأجواء السورية لا تزال مفتوحة أمام الطيران الإسرائيلي ولا شيء تغيّر عقب إسقاط المقاتلة التي ربما تتكشَّف قريباً بعض المعلومات حول لغز إسقاطها وأهدافه وأسراره!!
الكارثة أن أصحاب المنافع والمصالح لا يزالون يتاجرون باسم سوريا وشعبها، فالشعب الذي تشرد ونزح منه ملايين الأفراد ليس بحاجة إلى معارك جديدة لا ناقة له فيها ولا جمل، بل يكفيه ما عاناه ولا يزال بسبب تنظيمات الإرهاب والتدخلات الخارجية، التي فعلت في سوريا ما فعلت!
هل يعقل أن يواصل الإعلام التعبوي المتاجرة بسوريا والترويج لبطولات مزعومة رغم أن العقل والمنطق يقولان بأن إيران هي صاحبة المصلحة الأولى في تدمير ما تبقى من سوريا وفي إشعال حرب جديدة تصرف الأنظار عنها وعن أطماعها التوسعية!