د. خيرية السقاف
آن للصقيع أن يزجر بأثقاله نحواً بعيدا..
أن تينع أكمام الورد, وتتباهى الزهور, وتعم مواكب النسيم العليل..
آن للصوف, والوبر, والفراء في أنسجة الأردية أن تُعلَّق في مشاجبها..
وتودع في خزائنها نحواً خفيا..
آن للأحطاب, والفحم, ومواقد الدفء أن تحتجب عن الأماكن لتنطلق الأرواح في فسحة الجوارح عن رجف الصقيع, وصكِّ البرد..
آن للسماء أن تصفو, وللآماد أن تتمادى, وللنجوم أن تبتهج, وللقمر أن يطل بإيحاءاته الملهمة..
آن للصغار أن يعبثوا بالرمل في سعة, وبالماء في دعة..
أن يتحللوا بأزيائهم الشفيفة اللطيفة كالراشات الملونة يتحركون..
آن للشجر أن يخضر ما شاءت له فسحة الضوء..
للثمار أن تكتنز ما كان لها من رواء..
آن للمزارع أن يناغم نباته دون ارتعاد, وللحارث أن يتماهى مع أرضه دون انزواء..
آن للجداول أن تسري بلا انقطاع, وللغواص أن يبحر بانطلاق..
آن للعابثين بنشاطهم, وللمتطلعين لانعتاقهم, وللراغبين في فسحتهم, وللمشوقين لسباحتهم أن يمنحوا حركتهم الحرية, ويتخلصوا من أسمال الشتاء..
البارحة أقبلت علي طفلة في أبهى فرحتها, تحمل باقة ورد تتناغم مع ابتسامتها, كأنها اللؤلؤة للتو غادرت محارتها وانسابت مع الموج..
استقبلتها بلهفة المشوق, كالورد في زيِّها, كالعطر فواحة, كالفجر وضَّاءة , كالضوء براقة
سرورا يتكلم بكل انعطافاتها, وإقبالها..
قالت: مباركٌ لك, مباركٌ ...
لم تكن ترتدي معطفها, ولا تحمله, والجو كان في لحظتها باردا..
سألتها: أين معطفك, فالمساء تعود معه نسائم البرد..
قالت: غاب الشتاء, ولن يعود!! ..
جاءت الكلمات التي سبقت,
فقد آن للصقيع أن يذوب..
وللجمود أن يتحلّل..
وللبرد أن يؤوب عائداً لمخبأ الغيب !!..