د. محمد عبدالله العوين
تميز الإذاعي الكبير محمد الرشيد في قراءة نشرات الأخبار، وكان الخبر ينساب بصوته الهادئ الدافئ بسلاسة وعذوبة فلا يشعر المتلقي بقليل أو كثير من الانفعال مهما كان الخبر صادماً أو مؤذياً للنفس؛ كأخبار الحروب والقتل والدماء، وفي الوقت نفسه يصنع من الخبر المفرح بالإطلالة المبتسمة والملامح المريحة لحظات فرح تتقافز بين الكلمات التي تتراكض على شفتيه دون أن تزل أو تضل في قاعدة من قواعد اللغة أو الوقفات أو التنغيم الصوتي الذي يعلن بداية أو نهاية كل جملة أو خبر.
ولئن كان واحداً من كبار قراء النشرات وقد لا يلفت الانتباه لمزاحمة غيره من أساطين الإلقاء له في تلك الفترة الذهبية؛ فإنه لم يكن ثمة أحد ينافسه على فضاء آخر حلق فيه وحده عقوداً من الزمن بعذوبة وحضور ذهن وخفة روح وبساطة عبارة وقرب من الناس على كافة مشاربهم وتنوع اهتماماتهم في ميدان البرامج الجماهيرية من خلال برنامج «استديو رقم 1» في إذاعة الرياض، أو من خلال برنامج «ونة قلب» الذي استمر سنوات عدة، وكان يخاطب فيه العواطف الإنسانية الرقيقة بأداء متفرد للشعر الوجداني الشعبي القريب من ذائقة النسبة الكبرى من متابعي الإذاعة.
ومن ملامح التميز في شخصيته العفوية والبساطة ونقاء السريرة والصلة الطيبة بزملائه، وربما لا تخفى صفة المزاجية في شخصيته الفنية، فهو حين يطرب يبدع ويتجلى، وقد لا يرضى عن أمر ما فيتخفى عليه في نفسه مغالباً التصريح بما قد يزعج غيره؛ لكن أثره يتبين حتماً في أدائه.
وأود التأكيد على أن العمل الشريف الذي يوفر لقمة عيش كريمة في الحراج أو غيره لا ينتقص من قيمة الإنسان أو يحط من قدره؛ بل هو عمل شريف كسائر الأعمال في مجال البيع والشراء؛ لكن ما يدفع إلى التوقف بتأمل في سيرة الإذاعي محمد الرشيد البون الشاسع بين عمله في الإعلام والمهنة التي وجد مصدر رزقه فيها؛ وهي الحراج.
هل يحق لنا أن نعاتبه؟ أم أن نسأل عن الأسباب القوية التي دفعته إلى اختيار هذا العمل؟!
لا شك أن المسؤولية الأولى تقع على وزارة الثقافة والإعلام وعلى هيئة الصحافيين، فلا يمكن أن يؤكل الإعلامي لحماً ثم يرمى عظماً، بلا تقاعد مجزٍ ولا تأمين طبي، ولا فرص متاحة للإفادة منه في التدريب أو الاستشارة أو خطط التطوير .
وأناشد صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - وهو الرجل الفذ صاحب رؤية التحول الوطني 2020م والمستقبل المشرق في رؤية 2030 م الرائدة أن يقف بفكره النير وعقله الوثاب داعماً لنظام يوفر فرص العيش الكريم للكفاءات الإعلامية المميزة التي خدمت الوطن، ويضمن عدم انقطاع تجارب أجيال الرواد بالإفادة منهم في التدريب والاستشارة وخطط التطوير، ويرفع من مستوى المهنة الإعلامية، ويزرع الأمل والطمأنينة في نفوس من لا زالوا في عنفوان عطائهم بألا تنتهي بهم مسيرتهم بعد أربعة عقود إلى لا شيء.