سعد بن عبدالقادر القويعي
لم يكن تعجب سمو أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل، واندهاشه من انتشار ثقافة تقليد الغرب بين الشباب، إلى الحدّ الذي دفعهم للتخلي عن الزّي السعودي، و« هل كل تغييرٍ تطوير ؟ وهل تحديث التعليم، والإدارة، والصناعة، وغيرها، يعني تغيير الملبس، والمبدأ، والمعتقد ؟ وإذا خلعنا ملابسنا - اليوم - تقليدًا للغرب، فماذا سنخلع - غدًا - إذا قدمت الصين من الشرق ؟ »، سوى مزيد من الاستغراب لما رآه من ضعف التمسك بالهوية؛ باعتبار أن التقليد لا يخلق التفكير، ولا الإبداع؛ الأمر الذي سيجعلنا نعمل على استدعاء أزمة الهوية المجتمعية، التي تسببت في ضياع الفرد، والذوبان في المغاير، - وبالتالي - ضعف الولاء، والانتماء للتشكيل - القيمي والمبادئي والمعيشي -.
إن القضية لا يمكن أن تحسم في أحد الاتجاهين بمعزل عن الآخر، فالاعتزاز بالهوية الوطنية يبعث على الفخر، والشموخ، والثقة بالنفس، وستمنح صاحبها المناعة الحضارية المطلوبة؛ من أجل خلق فرص التوحد ضمن حقيقة التعدد، والاتفاق ضمن حقيقة التنوع. كما أن عدم قبول مثل هذه المؤثرات، والسعي إلى تغييرها يعتبر صيانةً للذات، وتعزيزاً للقدرات، التي يمكن التصدي بها لضغوط التحدّيات مهما تكن، - ومن ثم - فلا مبرر للانغلاق على الذات في ظلِّ هذا العالم المتداخل؛ لأنه - في نهاية المطاف - لا يعني قبول كل ما لدى الآخر.
نملك اليوم هوية فريدة في مصادرها، وأصولها، وفروعها، وكل متعلقاتها؛ كونها معتمدة على أصول ربانية، ومتماشية مع الأخلاق، والقيم، والفضائل السامية، والفطر الصحيحة، والعقول السليمة، والتي جعلت للشخصية طابعاً تتميز به عن الشخصيات الأخرى، بل ووقته من السقوط الحضاري؛ كونها محكومة لا حاكمة، تسيرها ضوابط الشريعة، وتقيسها، وهذا المعنى هو جوهر الهوية الإسلامية، وغايتها، التي ستجعل من هذا الشعب هويته الخاصة في خارطة الثقافات العالمية.
إن الاندماج في إطار النموذج الأقوى إبهاراً، والأشد افتتانا في عصرنا - اليوم -، سيجعل من مجتمعاتنا متقبلة فكرة القبوع في ظل التبعية، والتقليد، ثم الإحساس بالدونية، والغلبة، وهو ما يؤكده - عالم الاجتماع المسلم - عبد الرحمن بن خلدون - رحمه الله -: بأن: « المغلوب مولع بتقليد الغالب »، - ولذا - فإن أعظم مخادعة للذات، أن نتصور واقعا غير رشيد، بأن في اتباع قيم الآخرين، ومناهج حياتهم، هو نهايات التسول الحضاري - بعينه -، والذي يمثِّل - مع الأسف - قمة العجز، والفشل، والاستسلام أمام التحديات الخطيرة التي نواجهها، والذي يعتبر سؤال الهوية كلما دخلنا في أزمة.