د.علي القرني
اكتشفت فعليًا أن المشجعين الرياضيين في بلادنا «لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب» فهم متحمسون بدرجة تتعالى على المصالح العامة وترتمي في أحضان مصالح الأندية. وأنا هنا لست ضد حماس هؤلاء المشجعين لأنديتهم، ولكنهم يقيسون كل شي في الرياضة وفق المصالح الخاصة بالأندية، وهذا يشير إلى مشكلة غير موضوعية في تقييم الأحداث والقرارات الإدارية للهيئة العامة للرياضة أو لاتحاد كرة القدم السعودية أو لجنة الانضباط أو غيرها من الأجهزة الرياضية في بلادنا.
وأنا أسوق هذا الموضوع نتيجة ما شاهدتها من ردة فعل غاضبة نحو القرارات التي اتخذها معالي المستشار رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة بخصوص العشر القرارات التي أصدرها مؤخرا، وتم وضع هاشتاق لها، وشاهدت التعليقات من الجمهور الرياضي عليها. ولا اختلف مع بعض تلك التعليقات لكونها منطقية وتسير وفق مصلحة عامة أو مصلحة تنظيمية، ولكن معظم تلك التعليقات أتت بشكل اندفاعي وغير متروٍ وغير مدروس، وربما تكون من غير إدراك لفحوى تلك القرارات ومغزاها البعيد للشأن الرياضي.
وأحيانا نقيس على موضوع الرياضة موضعات أخرى في المجتمع تكون ردة الفعل نحوها بمثل القسوة وأحيانا التجني على مصدري القرارات أو جهات تنفيذية في الدولة كانت تسعى إلى خدمة المصلحة العامة في الدولة ولمصلحة قطاعات عريضة في المجتمع. وردة الفعل الغاضبة لا شك هي حق مشروع أن يبديه الفرد نحو قرار أو موقف اتخذته جهة من الجهات، ولكن أنادي هنا أن نتعلم الموضوعية في ردة أفعالنا، ونقيسها أولا في ضوء مصلحة عامة قبل أن تكون في مصلحة ضيقة لمؤسسة أو أفراد أو جمهور. وهنا أنادي بسياسة «الذهاب للشرفة» go to balcony والإطلالة من أعلى حتى ترى مشهدًا أكبر وفضاءً أوسع. وإذا ارتفعنا أعلى سيكون المشهد أوضح، وتداخلاته وعلاقته مع مؤسسات وجهات ومصالح أكثر دقة وأكثر وضوحاً.
وأنا شخصيا أتفق جزئيًا مع بعض التعليقات التي أوردتها بعض جماهير الشعب الرياضي على تلك القرارات وتتعلق بكيفية خروج القرارات من مصدر واحد، وهو شخص رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة، مما يعكس أنها قرارات لم تمر من خلال الهيئة ولكنها صدرت من رئيس مجلس إدارة الهيئة، وهذا ربما ينعكس سلبا على كثير من تلك القرارات. وأي مجلس إدارة سواء في قطاعات الدولة أو في قطاعات خاصة يمر اتخاذ القرار فيها بآليات واضحة وبإجراءات تنظيمية، بما فيها نحتاج نحن المتابعين أن نرى اجتماع مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة في لقطات تلفزيونية لنرى أن اجتماعا فعلا قد تم، وأن جدول اجتماع قد تم بحثه ومناقشته. وهذا الإجراء يشير إلى ديموقراطية اتخاذ القرار داخل أروقة الرياضة لدينا، ويعكس للعالم الخارجي أن قراراتنا الرياضية لا ينفرد بها شخص أو شلة رياضية دون مراعاة لقواعد وإجراءات مؤسسية.
ومن ناحية أخرى، فإن هناك أيضا قواعد لنشر وبث الخبر الذي يتم صناعتها في مجلس إدارة الهيئة، فهناك مثلا ناطق إعلامي، أو يكون هناك مؤتمر إعلامي يتم فيه استضافة ممثلي وسائل الإعلام حتى يمثلون الجمهور في طرح الأسئلة والهموم الرياضية. ونقطة أخيرة، فأنا أتابع الأستاذ تركي آل الشيخ وأثق أن هدفه النبيل وهمه الكبير هو خدمة الرياضة والارتقاء بها إلى مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال، وهدفه الخاص هو إنجاح مهمة الأخضر السعودي في نهائيات كأس العالم في موسكو، ولكن نحن نعرف أن التعرض للإعلام يحرق الشخصيات مع مرور الوقت، ولهذا نخشى عليه أن يتأثر بمثل هذه الأضواء الهائلة عليها التي اختارها هو، ووضع نفسه في الساحة الرياضية لوحده دون وجود أشخاص آخرين يقفون إلى جانبه. وهذا ما نخشاه، وهذا ما لا نتمناه لشخصية وطنية مخلصة.