د. خيرية السقاف
عج الغبار..
هذه الرياض لا ترى نفسها..
وجهان لحال الإنسان في صحو نقائه قبل أن حضوره..
وفي حضوره يكون في منتهى اضطرابه..
الإنسان كذرات الغبار تهيج مشاعره, يغضب, يفرح, يحنق, يغار, يحسد, يتوهج شرا..
خليط من تفاعل, وألوان من تناقض..
هو هكذا لحظة أن يعترك فيه غبار ذاته..
وحين يهدأ فكأنما الغيث أهمى فاغتسل,
والعذب أروى فتطهر..
فمن الذي يتأمل غبار الهواء وذاته في لحظات غباره؟!..
من الذي يمنحها وقفة استدعاء, فمكاشفة؟!.
من الذي يبسط معها تفاصيلها في صوته, وملامحه, وحركاته, وألفاظه, وتعبيره, ونظراته!!
إن من يفعل لسوف يرفع كفيه إلى كتفيه ليزيل عنها عبء الغبار الذي هاج في باطنه,
وماج نحوا خارجه..
الإنسان في غضبه, وحنقه, وعدم رضاه, وغيرته, وحسده, وانبلاج أنانيته..
في لحظات انغلاقه على ذاته, وانفراجه إليها..
لحظات إحساسه المفعم بها, بهذه الذات,
هذه النفس التي هي الأمارة فيه,
يكون في مسلكه كما يكون مسلك الغبار في الأجواء!!..
ولأن الناس تهرب من غبار المناخ في الجو, فإنهم يكممون أفواههم,
يطبقون عنه جفونهم, يصدون عنه منافذ استنشاقهم,
يغلقون نوافذهم, يوصدون أبوابهم,
يزفرون ذراته المتسربة نحو صدورهم,
يحملون على سطوحهم بالماء يغسلونها,
وبأنسجة الخامات يزيلونها..
يبعدون عن مسراه بعيدا بعيدا..
يتقون أمراضه, وآثاره!!..
فما يقول المرء الغبار عن نفسه حين يكون غبارا
في طريق الناس؟!..