خالد بن حمد المالك
شهدت المملكة مؤخراً طفرة كبيرة وغير عادية في أعداد ونوعية الكفاءات المتخصصة في ميادين التعليم وفي مختلف التخصصات والثقافات، فقد عاد المبتعثون للدراسة في الخارج، وتحديداً من الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وروسيا، والهند، وماليزيا، وكوريا، واليابان، والصين، وإندونيسيا، وغيرها كثير، عادوا بثقافات مختلفة، وتخصصات نوعية، ودرجات علمية عالية، ومن أرقى الجامعات في هذه الدول.
**
عاد أبناء المملكة وبناتها، بعد سنوات من التحصيل والدراسة الجادة، أمضوها بتفوق في جامعات نوعية، وبتخصصات مختلفة ومتميزة، وبلغات حددتها طبيعة لغة الدول التي كانوا يدرسون في جامعاتها، فأصبح لدينا وبين شبابنا وشاباتنا كل التخصصات التعليمية ومهارات التحدث بكل لغات العالم.
**
كانت هذه هي سياسة المملكة في التوجّه والدعم نحو صناعة العقول البشرية، فكان التوسع في الابتعاث إلى أرقى الجامعات في العالم، وكانت الحسابات صحيحة وجاءت مبكرة للحد من عدد العاملين غير السعوديين في العام والخاص، وإحلال السعوديين والسعوديات في مراكز العمل، بدلاً من الاستمرار في زيادة أعداد غير السعوديين، بما أصبح يهدد حق المواطن والمواطنة في الوظيفة والعمل بعد أن سيطر غير السعوديين على كثير من الفرص الوظيفية المتاحة.
**
لكن هناك شكوى مرّة، وملاحظات لا يتسع لها هذا المقال، من أن هؤلاء الشباب والشابات لم يتمكن كثير منهم من الحصول على فرصة للعمل سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، بحجج واهية، ومبررات الغرض منها استمرار الاعتماد على غير السعوديين، وإذا ما ظل الوضع هكذا وعلى هذا النحو، فسوف يزداد عدد غير السعوديين المقيمين بالمملكة، وفي المقابل سترتفع نسبة البطالة بين السعوديين المؤهلين علمياً.
**
لماذا هذا الكلام الذي يتكرر من حين لآخر على كل لسان، ويكتب عنه كل ذي ممارسة لمهنة الكتابة، السبب أنّ هناك أعداداً غير قليلة من الجامعيين وحملة درجتي الماجستير والدكتوراه من الجنسين، وبتخصصات مختلفة، يطرقون أبواب المؤسسات والشركات والجهات الحكومية معتقدين أنها قادرة على توظيفهم، لكنهم لا يجدون إلا أبواباً موصدة أمامهم، حتى دبّ اليأس بهم وزهدوا بشهاداتهم، وأصبحوا يتساءلون إلى متى يبقى الحال على ما هو عليه؟
**
إني أتفهم وضعهم، ولذا أتعاطف معهم، وأدعو بأن يمكّنوا من الوظائف التي تناسب تخصصاتهم ومؤهلاتهم، وأنادي جهة الاختصاص بأن تفتش عن هؤلاء، ولا تنتظرهم يبادرون لطرق أبوابها الموصدة، وأن تضع برنامجاً زمنياً معقولاً لإلحاقهم بخدمة العمل، فتمكين هؤلاء من العمل في أيّ قطاع مسؤولية لا ينبغي لأي مسؤول أوكلت له قيادة أي شركة أو جهة حكومية أن يتنصل عنها.
**
أمامنا في المستقبل غير هؤلاء الذين يبثون الآن شكواهم، فهناك أمواجٌ جديدة قادمة من الخريجين والخريجات، وعلينا أن نعالج وضع الحاليين، حتى لا يتكدس الخريجون عاماً بعد آخر دون أن يجدوا عملاً ووظيفة يخدمون بها دولتهم، ويعيشون منها في ترتيب متطلبات حياة كل منهم، في دولة لم نعهدها في الماضي والحاضر إلا داعمة ومساندة وحنونة على أبنائها.