د.محمد بن عبدالرحمن البشر
إيران في سياستها الخارجية تعتمد على تصدير الثورة، وقد يخفى على البعض كنه هذه الثورة، وغايتها، ووسائل وأدوات تصديرها، فهي في حقيقة الأمر ثورة شعوبية، ترنو إلى حلم سابق ما زال يعشعش في أذهان الكثير من القيادات الإيرانية الفاعلة، ولعل الحلم في سيطرة العنصر الفارسي على بقاع كثير من العالم خارج إيران هدف يتطلع إليه النظام الإيراني، ولبلوغ هذه الغاية يستخدم المذهب كأداة، بعد أن يسخر كثيراً من المتعلمين لإدخال ما يشاء فيه لبلوغ المرام، وهو السيطرة الفارسية على بقاع خارج إيران، هذه الركيزة الأساسية، حعلته يستخدم أدواته ليسير بعض البسطاء خلف التيار دون تمعن، وبهذا تتكون الميلشيات والأحزاب والأذرع، وينساق من ينساق ليكون وقوداً فحسب، بينما يبقى النظام وقادته يترقبون النتائج، التي تحققت بصفة مؤقتة في أماكن معينة، لكنها استعصت في دول أخرى مثل المملكة والبحرين، وغيرها من الدول.
إيران في سياستها الخارجية، ليس لها حليف سوى أنظمة مثل نظام الأسد، وميلشيات هنا وهناك تم زرعها في غفلة من بعض الدول، أو بتغافل من قياداتها، والدول المتقاتلة، تريد بقاء هذا الفكر، لكنها تعرف أن العالم أجمع يقف ضده، ويريد دحره، لهذا فهي تحاول مسايرة الدول الأخرى، دون المساس بتأثير النظام الإيراني. أما الدول التي كانت غافلة ثم اتضح لها الأمر، فقد سارعت إلى وقف ذلك التيار، وأخذت في بناء السدود لمنعه، أو الحد من تأثيره، وهي تراقب عن كثب ما يجري، واضعة في ذهنها خطورة الأمر على أمنها القومي، ونسيجها الاجتماعي، ووحدة شعبها وتماسكه.
النظام الإيراني في الشرق الأقصى، حاول وضع قدم له فأفلح في بادئ الأمر بدرجة محدودة، لكن أصحاب العقول تنبهوا إلى ذلك الخطر الداهم فأوقفوه، وفي أفريقيا ما زال لهم شيء من بقايا تأثير، لعلها تزول قريباً، وحتى في أوروبا وأمريكا، لم يمل النظام من المحاولات اليائسة دافعاً لذلك الكثير من المال والجهد، وتوظيف العلاقات مستغلاً كل شيء متاح له، من مال، ومذهب، وضعف نفس البعض، وغيرها.
وفي الداخل الإيراني، يتكون المجتمع من أعراق مختلفة، فهناك العرب، والبلوش، والأكراد والتركمان، والأرمن، والأذار، والديلاك، واللور، والجيلاك، بالإضافة إلى الفرس، الذين يتربعون على المناصب المهمة والتجارة وقوى الأمن، مما أوجد تذمراً من الأعراق الأخرى المهمشة، والتي لم تأخذ نصيبها وحقها في المشاركة الفعلية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولهذا فإن النظام الإيراني يحاول أن يركز على المذهب كعنصر جامع، حيث إن الفرس يشكلون أقل من الخمسين في المئة، بينما يرتبط بالمذهب أكثر من ذلك، ولهذا فإن النظام الإيراني يحرص على تفويته، في الداخل كما يعمل على نشره في الخارج.
والنظام الإيراني ينفق جلّ دخله في دعم أذرعه الخارجية، بينما لا ينفق ما يكفي في الداخل، ولهذا فإن هناك بنية تحتية ضعيفة جداً وقديمة، كما أن فرص الاستثمار محدودة، وعليه فقد انتشر الفقر والبطالة، والجهل، وقد ترتب على ذلك الكثير من المشكلات الاجتماعية والسلوكية، التي لم يعد المجتمع الإيراني يتحملها، لهذا نجد أن النظام يحاول بين تارة وأخرى خلق المشكلات مع دول أخرى لإلهاء الشعب الإيراني عما يعانيه من آلام يومية، لكن مثل ذلك لا يدوم، ولذلك نجد أن الشعب الإيراني قد تذمر بشكل كبير، وقام بمظاهرات عدة رغم القمع المتواصل، لكن الكيل قد زاد، وطالما أن الأمر وصل إلى حد المجاعة في مناطق عديدة من إيران، فإن الشعب الإيراني لن يقف مكتوف الأيدي في ظل هذه الظروف البائسة التي أوجدها النظام ذاته، رغم توفر الموارد الكافية، والتي تنفق هنا وهناك لإثارة القلاقل في المنطقة، والعالم أجمع.
إن استمرار النظام الإيراني على هذا النهج غير السوي، سيؤدي لا محالة إلى مزيد من العزلة الإيرانية في الخارج، والانهيار في الداخل، مما يدفع بتغير جذري في قمة السلطة الإيرانية.