فهد بن جليد
ربطُ الكرم والتقدير والترحيب والبذل والعطاء والمكانة في مجتمعنا، بولائم الطعام وما تحويه السُفر من بَذخ وإسراف بأنواع وكميات بغض النظر عن أعداد المدعوين وقدرتهم على تناول كل ما تم وضعه وتقديمه من طعام، من المفاهيم الخاطئة التي لا تمتُ للكرمِ بشيء ويجب تصحيحها مجتمعياً، ضمن خطواتِ المراجعةِ الإيجابية الشاملة التي نَمُر بها في هذه المرحلة اجتماعياً واقتصادياً وسلوكياً، فليس من اللائق أن نبقى ونحن المجتمع العربي والمسلم مُتصدرين دولَ العالم في هدر الطعام - بحسب إحصائيات الأمم المتحدة للأغذية والزراعة - بينما ديننا وأخلاقنا وثقافتنا تدعونا إلى حفظ النعمة، وشكرها بعدم التبذير، ووضع نصيب منها للمُحتاجين والمساكين والمُعدَمين، ممَّا يؤكد أنَّ هذه الظاهرة دخيلة على ثقافتنا - عمرها الزمني لا يتجاوز ثلاثة عقود - زاد فيها التبذير بشكل كبير, ودخلت فيها ثقافة التطاول بالموائد والبوفيهات رغم أنَّها لا تمتُ للكرم بصلة، ويجب البحث في أسبابها الحقيقية وعلاجها حتى نتخلص منها ومن آثارها الزائفة والكاذبة.
تبدو المسألة أخلاقية أكثر من كونها قانونية تحتاج إلى تنظيم أو تشريع، فهذا سلوك شخصي لا يمكن الحد منه بنظام، مما يستلزم جهداً مُضاعفاً وشراكة فاعلة بين القطاع الخاص والخيري والتعليمي وقادة الرأي والمؤثرين في المجتمع، للتثقيف والتغيير والضبط، فنحن بحاجة عمل جماعي حقيقي بين عدة أطراف حتى نتخلص من هذه الظاهرة المُزعجة جداً، لأنَّ مجمل أعمال وأنشطة الجمعيات الخيرية التي تعمل لوقف هدر الطعام وحفظ النعمة تنحصر في علاج الأثر والتخفيف من وطأته, كفرق المطافئ التي تُباشر الحريق لتخمد النيران وتمنع انتشارها وتقلل من الآثار والأضرار - لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تلك الموائد والسُفر - بينما المطلوب معالجة سبب الاشتعال ومنعه ابتداءاً، أكثر من مجرَّد ممَّارسة عمل الإطفائي وإن كانت جهود مُقدرة بكل تأكيد.
مؤخراً تم إطلاق ميثاق (نقدرها) كميثاق أخلاقي هو الأول من نوعه الذي يجمع الجمعيات غير الربحية والقطاع الخاص، في محاولة جادة يقودها القطاع الخاص لعلاج هذا الملف باستهداف شريحتين (الأسر والمنازل, وقطاع الأعمال والفنادق)، ولضمان حدوث التأثير المنشود، والتغيير المُنتظر في المفاهيم، يجب أن يكون لهذا المشروع أذرع إعلامية وتربوية وفنية فاعلة في المدرسة والمنزل والأعمال الفنية، باستقطاب المؤثرين أولاً حتى يكونوا قدوة، من خلال استراتيجية وطنية شاملة تعمل لتصحيح السلوك الفردي والمُجتمعي في هذا الجانب وتقديم البديل، لتغيير القناعات والمفاهيم حول أدبيات الكرم وطُرق التعبير عن التقدير والاحتفاء والترحاب، بالفصل بين تلك المشاعر والمعدة كمُتلازمة ضارة وفاسدة.
وعلى دروب الخير نلتقي.