أطلق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد, نائب رئيس مجلس الوزراء, وزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، رؤية التنمية والتحديث الشاملين في المملكة التي تستهدف وضع المملكة في مدار تنافسي عالمي يتسنى لها من خلاله تحقيق الريادة والتأثير في المحيط الدولي على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، وذلك بحلول عام 2030 ميلادية، كما يتضح من عنوان الرؤية « السعودية 2030».
وتمثل مفاتيح هذه الرؤية بحسب ما ذكره سموه في التركيز على المواطن وقدراته ومهاراته، إذ قال: «تُعَد مهارات أبنائنا وقدراتهم من أهم مواردنا وأكثرها قسمة لدينا. وسنسعى إلى تحقيق الاستفادة القصوى من طاقاتهم من خلال تبنّي ثقافة الجزاء مقابل العمل، وإتاحة الفرص للجميع، وإكسابهم المهارات اللازمة التي تمكّنهم من السعي نحو تحقيق أهدافهم».
وترسم الرؤية ملامح مجتمع أكثر تطورًا وازدهارًا إذ ترتقي بالمجتمع السعودي إلى آفاق غير مسبوقة من التميز والريادة بما يمكن المواطنين من الاستفادة القصوى من تقدُّم الدولة في مجالات الاستثمار والصحة والترفيه والتعليم وغيرها. وحيث إن أبناء الوطن هم العمود الفقري للدولة فإن الاحتياج إلى شباب أكاديميين مؤهَلين للعمل وتحمل مسئولية التقدّم بالوطن إلى أسمى المراتب أصبح من أوّل ما يشغل الفكر الوطني، وأصبح تأهيلهم ككوادر بشرية متميزة من أهم الركائز التي استهدفتها الرؤية لضمان نجاحها. وقد حددت الرؤية أهدافًا إسترتيجية لكل مجال مخصِّصَة جهودًا كبيرة لتحقيق طفرة في مجال التعليم باعتباره هدفها الأول لتحقيق الرؤية.
وهنا يأتي دور الجامعات السعودية عامة والجامعات الناشئة بشكل خاص في تفعيل الرؤيا وتهيئة المواطن للقيام بدوره في تحقيقها، إذ لا يخفى أن التعليم العالي هو الجسر الحقيقي بين واقع محلي يحتاج للتطوير والتحديث على مستوى الأفراد وواقع عالمي يتسم بالتسارع التكنولوجي والمعلوماتي بما يصنع فارقًا معرفيا ومهاريا يحتاج من مؤسسات التعليم العالي لبذل أقصى الجهود للأخذ بيد الشباب من واقع الاستهلاك إلى عصر المبادرة والابتكار والإنتاجية.
إن الجامعات الناشئة بتوفير فرص التعليم العالي في كافة ربوع المملكة بإمكانات عالية تغبطنا عليها الكثير من الدول لَتقع عليها مسؤولية كبيرة في دفع قاطرة التنمية الاجتماعية والبشرية. إن دور الجامعة هو الانتقال بالطالب من المعارف العامة التي يتلقاها في مرحلة ما قبل الجامعة إلى المعرفة الجامعية المتخصصة التي تضعه لا على أعتاب سوق العمل، بل على أعتاب الإبداع الحقيقي والمبادرة والابتكار. وهذا يتطلب استمرار الجهود الفعالة التي تهدف إلى سد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، وتوجيه الطلاب نحو الخيارات الوظيفية والمهنية المناسبة، وإتاحة الفرصة لإعادة تأهيلهم. بل وتضمنت الرؤية ضرورة تحقيق المرونة في التنقل بين مختلف المسارات التعليمية. وهذا الهدف الأخير يمثل خروجًا على نمطية التعليم وتحويله من وسيلة للحصول على الشهادات أو حشو أذهان الطلاب بالمعارف، إلى وسيلة لإكسابهم المهارات والخبرات الفنية والعلمية ويدعم ثقافة طلب المعرفة واستكشاف العلم وتشجيع المبادرة والتميز بما لا يسوي بين من يكتفون بالأوراق ومن يغوصون إلى الأعماق. وإن تطور الجامعة بما يحقق هذا الهدف له أثر كبير في تغيير وعي المواطن وإشعاره بأن وسيلة تحقيق التميز والأمان والرخاء في الحياة هي ببذل الجهد واكتساب العلم واستكشاف آفاق المعرفة، وهو ما ينبغي أن تكون الجامعة محلًا له وداراً. ولا يخفى أن للجامعات الناشئة دورا خاصة في هذا الصدد بسبب وصولها إلى قطاعات جغرافية واجتماعية ربما لا يتوفر لها ما توفر للمناطق الأسبق تمتعًا بالتعليم العالي والأكثر تنافسية بالتالي في مجال سوق العمل من فرص تعليمية وثقافة سوق عمل تنافسية.
ولا شك أن تحقيق هذه الأهداف الجليلة الواردة في الرؤية يتطلب دراسات دقيقة تحتاج لبذل جهود متواصلة وقوية لتحقيق تلك الأهداف وبناء واقع تعليمي دافع للدولة إلى آفاق الريادة والاستقرار.
إن من أهم النقاط التي قامت عليها الرؤيا الاعتناء بالعنصر البشري واعتباره أهم ثروة يمتلكها الوطن. وعليه فإن الاهتمام بتأهيل هذا العنصر البشري وتعليمه بدرجة تضمن كفاءته والدفع به إلى حمل راية الوطن إلى أقصى درجات التقدم شغَلَ جزءًا كبيرًا من أهداف هذه الرؤية. لذا ركّز سموّ ولي العهد في الرؤية على ضرورة تطوير المنظومة التعليمية بأسرها بما يحقق إخراج أجيال يتمتع أفرادها بشخصيّات مستقلة قادرة على العمل وتحمل مسؤولية النفس والوطن.
وحيث إن أكثر من نصف المجتمع السعودي تقل أعمارهم عن 25 عامًا، ويشكِّل ذلك ميزة يجب استثمارها من خلال توجيه طاقات الشباب نحو ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة. فقد خططت الرؤية إلى إطلاق عدد من البرامج التربوية الحديثة التي تتسم بجودة عالية تُفضي إلى التحلي بقيم إيجابية. من بين هذه البرامج برنامج «ارتقاء» الذي يهدف إلى قيام الأسرة بدور فعال في الأنشطة المدرسية بنسبة تصل إلى 80 % عام 2020 م. ويتضمن هذا البرنامج مجموعة من المؤشرات التي تقيس بدورها مدى تفعيل المدارس لدور أولياء الأمور في المشاركة في العملية التعليمية مما يقوّي النسيج الوطني على المستويين الاجتماعي والتربوي. فمشاركة الأسرة في عملية تعليم أبنائها تعمل على تحفيز الأبناء على السعي لتحقيق التميز الدائم الذي يطمح إليه الآباء وفي الوقت نفسه تُخرِج مؤهلات ساعية لقيادة المجتمع نحو التميز الدائم الذي اعتاد عليه الطالب منذ صغره ليصبح ذلك طابعًا تعليميا واجتماعيًا عامًا.
تعزيزًا لما سبق، عزمت الرؤية على تخصيص لقاءات لأولياء الأمور يطرحون بموجبها ما يتراءى لهم من اقتراحات وأفكار فيما يخص تطوير المنظومة التعليمية لينعكس ذلك على أبنائهم بشكل إيجابي يؤهلهم للتفاعل المثمر في سوق العمل. أما فيما يخص المعلمين فقد عزمت الرؤية على إطلاق برامج تدريبية للمعلمين تؤهلهم للتفاعل الإيجابي مع أولياء الأمور بدرجة تضمن مشاركة الأخير في العملية التعليمية.
قد يأتي تساؤل عن علاقة هذا بالتعليم العالي، ولا شك أن العلاقة وثيقة لأن مخرجات التعليم تتأثر حتما بمدخلاته، لذا كان تأسيس الطالب في مراحل مبكرة أهم خطوة في بناء شخصية مؤهَلة لمواجهة تحديات سوق العمل، إذ تتطلب الرؤية بناء نوعية متميزة من الخريجين ولا شك أن اللبنة الأولى في تحقيق ذلك هي بناء شخصية الطالب التعلمية جيدا في مرحلة التعليم قبل ا لجامعي.
لقد اعتنت الرؤية بضرورة سد الفجوة بين مخرجات المنظومة التعليمية وما يتطلبه سوق العمل. ومن أجل تحقيق ذلك عزمت على إطلاق البوابة الوطنية للعمل «طاقات»، وتأسيس مجالس مهنية تحدد ما يحتاجه سوق العمل من مهارات ومعارف، كما ترمي إلى التوسع في برامج التدريب المهني. ومن بين أهداف الرؤية أن تصبح خمس جامعات سعودية على الأقل من بين أفضل مائتي جامعة دولية. وأن يحقق طلاب المملكة نتائج متقدمة فيما إذا ما قورِنت بمتوسط النتائج الدولية. وإنا لنطمح أن تكون جامعة المجمعة يومًا ما من بين هذه الجامعات التي يلمع اسمها في سماء التعليم في المملكة وخارجها وتحقق السمعة الدولية المتميزة.
ومن مميزات الرؤية أنها لا تهمل الجانب الترفيهي الذي يعد جزءا لا يتجزأ من منظومة التطوير في مجال التعليم. وحرص سمو ولي ولي العهد على إبراز هذا الجانب بقوله: «هدفنا هو تهيئة البيئة الجاذبة التي يمكن من خلالها استثمار كفاءتنا البشرية» وتدل كافة الدراسات والنفسية على أن البيئة ترفيهية تطلق طاقات المواطن وتصنع منه عنصراً فاعلاً ومبادراً وقادراً على الأداء المتحمس نتيجة تجديد نشاطه الفكري والنفسي وبما يساعده على التماس المزيد من الطموحات بوجود الحافز لتحقيقها والبيئة النفسية المحفزة لها.
لذا تسعى الرؤية إلى استثمار مواهب المواطنين بزيادة الأنشطة الثقافية والترفيهية التي تساهم في تشكيل وعي المواطن الفعال المبادر. ومما يتعلق بهذا الشأن في رؤية المملكة 2030 إطلاق البرنامج الوطني «داعم» الذي سيهدف بدوره إلى تحسين جودة الأنشطة الرياضية والثقافية بحيث يتوفر أكثر من 450 نادي هواة مسجلًا يقدم وسائل ترفيهية عديدة. كما ستتوسع المملكة في إنشاء أندية للهواة وأخرى اجتماعية وثقافية، كما سيساعد البرنامج في نقل الخبرات وأفضل الممارسات الدولية لهذه الأندية وزيادة الوعي بأهميتها، حيث تستهدف المملكة رفع نسبة ممارسي الرياضة، بحد أدنى مرة أسبوعيًا، من 13 % إلى 40 %. ذلك حيث أوضحت الرؤية أن من بين أهدافها ارتفاع إنفاق الأسَر على الثقافة والترفيه داخل المملكة من 2.9 % إلى 6 %.
إن زيادة الأنشطة الثقافية والترفيهية ينتج بيئة محفزّة ألزمت بدورها المملكة بضرورة العمل مستقبليًا على إطلاق «برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية». هذا البرنامج سيوفر قسما للموارد البشرية بكل جهاز حكومي. كما سيقدم برامج تدريبية تهدف إلى تطوير المهارات والمواهب حيث يهدف إلى رفع إنتاجية الموظف وكفاءاته التي ستنعكس على المجتمع دافعةً إياه إلى أعلى المراكز في كافة المجالات، بإذن الله تعالى.
وأوضح سمو ولي ولي العهد الهدف من وجود هذه المنظومة الترفيهية بقوله: «عندما نتكلم عن الترفيه ومستوى المعيشة فهو ليس أسوأ من دول العالم، بل من أفضل دول العالم، لكن لا توجد الأدوات التي يستطيع أن ينفق فيها هذا الدخل بشكل ينعكس على رفاهيته في الحياة، فنجد دولًا أخرى أقل منا بكثير في مستوى الدخل ووضعها الاقتصادي لكن المستوى المعيشي جيد؛ لأن عنده فرص ترفيهية جيدة، وعنده فرص ثقافية جيدة، وعنده بيئة جيدة يستطيع صاحب الدخل الضعيف أن يستمتع فيه. فالترفيه والثقافة ستكون رافدًا مهمًا جدًا لتغيير مستوى معيشة السعودي في خلال فترة قصيرة».
وربما يَطرح التساؤل عن ضمانات عدم تحول أفكار هذه الرؤية المباركة إلى حبر على ورق نفسَه. وقد سارع سمو ولي العهد إلى الإجابة عن هذا التساؤل بقوله: «هناك مستوى عالٍ جدًا من الحوكمة في رأس الهرم الآن» مضيفًا أن مجلس الشؤون الاقتصادية ومجلس الشؤون السياسية لديهما مركز إدارة المشروعات، كما أكد أن الملك, حفظ الله, أصدر قرار إنشاء مركز تقييم الأداء الحكومي.
ويتمثل دور المركز في تنفيذ هذه الرؤيا بحسب سمو ولي العهد في تسجيل كل الخطط والأهداف وتحويلها إلى أرقام وإلى قياس أداء دوري كل ربع سنة، ومدى مواءمة عمل الجهات الحكومية وخطط الحكومة وبرامج الحكومة في تحقيق الأهداف التي تنشدها الرؤية، والمتابعة الدورية تجنبًا لحدوث أي خلل. وأشاد بأن التقرير بشكل ربع سنوي إلى مجلس الوزراء، وبأن المجالات التي يطرأ فيها الخلل للمراجعة وتحقيق ماهية الخلل ومناقشة سبُل علاجه.
إن اشتمال هذه الرؤية على أفكار بنّاءة وريادية في مجال التعليم ليستلزم سرعة العمل على تحقيق التوازن بين كفاءات قطاع التعليم العالي والتعليم العام وبين ما تتطلبه هذه الرؤية لتحقيق أهدافها. وهذا يبيّن الضرورة الملحة السرعة لإعادة هيكلة إدارتيّ القطاعين بما يتفق وطموحات هذه الرؤية. كما يستلزم تحقيق أفضل النتائج المتوقعة من هذه الرؤية البدءُ في تدريب الكوادر التعليمية بدرجة تمكنها من استغلال الطاقات البشرية التي تشرف عليها متمثلة في الطلاب بمختلف مراحلهم العمرية بطريقة جاذبة لهم من خلال أُسَرِهم. وذلك يأخذنا إلى ضرورة البدء في العمل على تجهيز برامج إلكترونية وسرعة إطلاقها للتواصل مع أولياء الأمور وتوعيتهم بدورهم المستقبلي في حياة أبنائهم التربوية والمجتمعية تباعًا. ولا يغيب عن الذكر البرامج الالكترونية التي بدأتها الوزارة فعلى المختصين استكمال العمل فيها.
كما يستلزم ذلك عمل تحديثات للبرامج التعليمية الحالية التي تستخدمها المدارس والجامعات لضمان تفعيل دورها في توعية جميع أبناء المجتمع بما تتضمنه الرؤية من طموحات وأطروحات، وأهمية مساهمة كل فرد من أبناء الوطن فيه، كل بحسب دوره ومقدرته. وتوعية المواطنين بضرورة التحقق بالشفافية والجد في العمل ومحاسبة كل من يخالف ذلك بما يتوافق وأوامر نبيّنا، صلى الله عليه وسلّم، حيث قال: « إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه».
إن رؤية المملكة 2030 في مجال التعليم تستوعب كل ما يمكن أن يقدمه قادة الوطن للوصول به إلى أسمى مراتب التقدم ببذل الجهود المخلصة من كل فرد من أفراد الوطن. لذا تتطلب هذه الرؤية تكاتف جميع أبناء الوطن بكافة قطاعاته وشرائحه لتفعليها بما يحقق آمال الوطن والمواطن على حد سواء.
- جامعة المجمعة