سلمان بن محمد العُمري
أروي هذه القصة مباشرة كما حدثت مع أحد أطرافها، وهو شيخ يشارك في توعية ضيوف الرحمن. فقبل عشرين عامًا جاء أحد الحجاج من أمريكا الشمالية، وهو من أصول عربية، مع حملة حج من تلك البلدان، ولكن يغلب عليها العجم من إحدى دول الشرق، وكان هذا الرجل من الأصول العربية حديث عهد بالالتزام، ولا يعي شيئًا كثيرًا مما يجب على المسلم معرفته؛ فكان يذهب مع هؤلاء الحجاج، ويفعل ما يفعلون، ويقلدهم، ولا يسألهم، ويرى أن فعله مطابق للسُّنة طالما أن من يفعل هذا العمل هو شيخ ذو لحية بيضاء، والدموع لا تفارق عينيه في كل بقعة؛ فكان يقلدهم في أفعالهم، وحتى في بكائهم.
وفي يوم من الأيام صعد هذا الرجل أحد المواقع في مكة المكرمة، وأخذ يقلد شيخهم الأعجمي الأصل، ويتبرك بالحجارة، ويتمسح بها. وبينما هم في هذا العمل جاءهم صاحبنا ومَن معه، فأرشدهم بأن هذا العمل لا يجوز، وأنها أحجار لا تنفع ولا تضر. ولم يجبه أحد من هؤلاء لسببين، أولهما أن الكثير منهم لا يجيد العربية، والآخر أن إمامهم وشيخهم - وهو يجيد العربية - حذَّرهم من قبل من «الوهابيين»!!
تقدَّم الرجل من ذوي الأصول العربية مذهولاً لما يسمع عن حرمة هذا العمل؛ وهو ما جعله يتوقف عن إكمال المسيرة والصعود إلى نهاية الجبل، ثم بدأ يبكي بحرقة، ويقول جئت حاجًّا لأول مرة، وكنت مقصرًا في العبادات، ولكني - ولله الحمد - لم أتبرك بشجر ولا حجر من قبل، ثم آتي لأعصي الله سبحانه وتعالى، وأشرك به في البلد الحرام!! وقد أنقذه الله من هذه الجماعة التي كانت على أخطاء عقدية، وعرف عنها المغالاة بالتبرك بالآثار وسؤال المخلوقين والطواف حول القبور في بلدانهم.
ومثل هذا الرجل كثير ممن يأتون من بلدانهم، أو يأتون من الخارج من بلدان الأقليات، ويتعرض لهم هؤلاء بعقائدهم الفاسدة، ويفسدون عليهم دينهم ودنياهم.
ولقد لحظ الجميع أن ثمة ظواهر في السنتين الأخيرتين، خاصة مع انتشار وسائل التواصل، لبعض الحجاج والمعتمرين، وقيامهم بأعمال لا تمت للسُّنة النبوية ولا لعمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين.. وزيَّن لهم الشيطان هذه الأعمال، وأصبحوا يمارسون الأعمال والأفعال في مواقع عديدة، سواء داخل الحرم، وفي حدوده، بل حتى خارجه.
من هذه الظواهر ما تناقلته وسائل التواصل من قيام مجموعة من المعتمرين بالذهاب لديار بني سعد، والتبرك بالأشجار والأحجار والاعتقاد بها، ثم جاء قرار صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، بإزالة أربعة مواقع في بني سعد بمحافظة ميسان بالطائف التي تمارَس عندها شركيات من بعض المعتمرين من جنسيات مختلفة. فنحمد الله - عز وجل - على هذا القرار، وجزى الله سموه خير الجزاء على هذا العمل الطيب المبارك الذي فيه حماية لجناب التوحيد والعقيدة. وهذا القرار ليس بغريب على قيادة هذه البلاد وولاة أمرها؛ فقد عهدنا منهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذه البلاد قامت على التوحيد، وحماية جنابه، منذ عهد الإمام محمد بن سعود مرورًا بالملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - ومن بعده أبناؤه البررة. ولا مكان لأصحاب البدع والخرافات والشركيات في هذه البلاد المباركة. وإنه مع الإشادة بهذا العمل الجليل المسدد من سموه فإننا نأمل أن يتم تكثيف الدعوة والإرشاد والتوجيه للحجاج والمعتمرين، وحمايتهم من أصحاب الملل والنحل الضالة.. ويجب أن تتضافر جهود جميع المؤسسات الشرعية مع وزارة الحج والعمرة ومؤسسات الطوافة لتعليم الناس وإرشادهم، والنأي بهم عن المخالفات الشرعية.