موضي الزهراني
عندما تم الإعلان عن التكريم الملكي للأستاذ تركي السديري -رحمة الله عليه-، والأستاذة خيرية السقاف -حفظها الله- في مهرجان الجنادرية 32، وذلك بمنحهما وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، رجعت بي الذاكرة لسنوات طويلة مضت في تأسيس الصحافة النسائية في جريدة الرياض، وتلك الجهود المميزة من الطرفين في دعمنا بكل قوتهما الفكرية والثقافية وتشجيعنا على الاستمرار وسط مخاوف عديدة من ردود الفعل العامة عن وجود « مكتب نسائي « للجريدة في تلك الحقبة المتحفظة من الزمن! وبالرغم أن التجربة في ذلك الوقت كانت جريئة ومُتعبة ومحفوفة بالرفض والاستنكار ممن يرفضون نشر أسماء نسائية صريحة بشكل يومي في صفحات الجريدة وهي تقدم زوايا مختلفة من تقارير إخبارية ومقالات أسبوعية وندوات نسائية وتغطيات ميدانية، إلا أنها كانت تجربة ممتعة ساهمت في فتح آفاق مختلفة لأغلب الكاتبات الموجودات حينها بالقسم! فالمواقف الحكيمة للأستاذ تركي -رحمة الله عليه- وقتها عديدة وساهمت في نجاح التجربة وتطورها على مدى السنوات القادمة، حيث حرص على تخصيص مكتب نسائي مستقل عن مبنى الجريدة الرئيسي بمسافات بعيدة في حي الوشم أولاً، وبعدها في حي الملز، ثم تطور حتى أصبح في المبنى الرئيسي حالياً بحي الصحافة، وبالرغم من ذلك واجه مواقف عديدة من المعارضين لوجود قسم نسائي تابع للجريدة في بداياته، وتحمل الكثير بصمت وهدوء! حيث كان كثير من المتطفلين والمتشددين لا يعلمون أين موقع المبنى الخاص بالكاتبات مما أثار فضولهم أكثر! فكانت حكمته واحتوائه للمواقف وردود الفعل المختلفة دليل على حرصه وتعامله الأبوي لجميع موظفات القسم! ولقد أستحق فعلاً لقب « ملك الصحافة « الذي أطلقه عليه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز أيام حياته لترؤسه جريدة الرياض قرابة أربعة عقود، ومازال بعد وفاته يستحق التكريم! إلى جانب ثقته القوية واطمئنانه لوجود الأستاذة خيرية رئيسة للقسم النسائي كأول سعودية تتولى هذا المنصب المهم والحساس في وقت كانت الأقلام النسائية تخطو خوفاً من التشنجات القبلية، وتتردد كثيراً من النزول للميدان المليء بالحقائق الصادمة عن بعض فئات المجتمع! لكن بشجاعتها وتشجيعها لنا تنوعت العطاءات اليومية والإبداعية، وزاد التنافس أكثر لإثبات قوة القلم النسائي في مطبوعة مقروءة ولها صيتها المحلي وليست مخصصة للمرأة فقط بل جامعة وشاملة، فكان هذا هو التحدي الذي تجسد في نجحات مختلفة وبأقلام مازالت إلى هذا الوقت تمتهن الكتابة بكل الحب في مطبوعات مختلفة! لذلك وبعد هذه السنوات الطويلة من الكفاح والعطاء يتم تكريم تلك القامتين المبدعتين في مسيرة الصحافة السعودية من ملكنا سلمان بن عبد العزيز تقديراً لجهودهما وهذا بلاشك دليل على كرمه الأبوي وتقديره للإبداعات الثقافية والصحافية مهما طال بها الزمن!