التوجه نحو قراءة النوايا فيه غلو كبير، إذ إن الشخص الذي أمامك لا يمكن أن تقرأ أفكاره، إلا عن طريق كلماته، أو أفعاله، فبناء على ما يلقيه من قول، أو ما يفعله من فعل، تستطيع أن تحكم عليه، وهذا البناء لا يأتي لك عبر حكم في داخلك، أي سبق وأن قدمت الحكم عليه، ووضعت لازمة أنه ينوي أن يفعل أو يقول كذا وكذا.
الحكم يأتي بناء على متواليات كلماته ومن ثم تركيبات جُملِه، أي تفاصيل حديثه ومن ثَمّ مجمل حديثه له. أما أن تتجه فوراً إلى أن هذا في حديثه كان يقصد كذا وكذا ـ أيضاً ـ فإن هذا من العيوب التي يقع فيها الناس، وقد يقع فيها العلماء وغيرهم، فالنية ليست مطلبك في مثل هذه الحالة، لك الفعل والقول من هذا أو ذاك، ومن ثم الحكم، وتحليل النية لديه عبر فعله أو قوله.
قانون الإنسانية لا يعترف بما تنوي فعله أو تنوي قوله بل يعترف بما فعلت أو قلت بكل بساطة، ولا ينبغي لك أن تعقد المسائل في داخلك عبر هذا الباب لأنك متى دخلته لن تستطيع الخروج منه، وسيكون مبعث قلق لك، ولن يكون موطن صفاء، لأنك ستشغل نفسك في قراءة أفكار الناس وماذا ينوون؟
قد يعيدنا هذا إلى مسألة الظن عندما تقرأ النوايا (سيأتي في باب الظن) ويجعل الهاجس الذي يخيم على فكرنا هو ذلك الشخص وماذا ينوي؟ وإلى أي مدى سيصل في توجهه؟ وستنسى ما خلقت من أجله، أو ما تتصف به من إنسانية ذات قيمة عالية تأتمر بأمر العقل، وتقيس الأمور بمقياس صحيح، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأصل.
إن تفكيك خطاب من أمامك يفتح الأفق لك كي تستوعبه، بينما مطاردة المجهول فيه عذاب لك (ولا تقْفُ ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) (الإسراء 36) فقد يكون تقفّيك لمثل هذه الأشياء مضراً في حياتك، لأنك تحكم على غيرك دون معرفة أو دون أن ترى أو تسمع، ودلالة هذا أن الله عز وجل قال بعدها إن السمع والبصر والفؤاد. لم يقل «السمع والبصر» فقط وإنما أضاف الفؤاد وكأن ذلك يرتبط بالنية المسبقة التي تحكم بها على الأشخاص دون أن تسمع منهم أو تبصر شيئا. لا تكتشف الأشياء بالنية، بل اكتشفها بالواقع لتصل إلى الحقيقة.
لا أحيلك هنا إلى مسائل كونية أو وجودية، في هذا الباب بقدر ما أحيلك إلى مسألة أن تمثل الإنسان المفطور على الخير، والذي بدأ حياته خالياً من أي توجه نحو الأحكام على الآخرين. كن بصفاء ذلك الطفل الذي لا يهتم إلا بزرع البسمة فيمن حوله، ستكون ذلك الموجه الفذ نحو السعادة. وستستخرج للجميع الحقيقة ناصعة البياض بعيدا عن النوايا وعن الشكوكية.
غداً أو بعد غد يمارس الناس سوءاتك التي ينهونك عنها!!
** **
د . محمد الغامدي - برناردشو