د.عبدالله الغذامي
المشراق مجلس يتخذه الشيبان من الذكور في موقع محدد في زاوية شرقية من شوارع الحارة ، ويكون مجلسا شتويا صباحيا يستقبل فيه المشاركون شروق الشمس حيث الدفء والأحاديث وتفريج آثار وحشة الوحدة المنزلية وعزلة الاتصال ، وغالبا تكون الأحاديث مكررة ، في صيغها كلها حتى النكت والأمثال هي إياها تعاد وتعاد ، ومهما كان الحديث مكرورا ،وربما مملا ، إلا أنه خير من وحشة العزلة المنزلية ، ولذا يتغير حال الجلسة ( المشراق ) حين يأتي زائر جديد ، حيث تتجه له الأحاديث كلها لأخذ ما عنده ويصبح نجم الجلسة بما إنه مصدر تغيير يكسر المكرور ويمنح الحديث جدة وطرافة.
تلك حال الناس قبل تغير مسار الحياة العمرانية ، حيث انتهت صيغة الحارة واستحال تأسيس مجلس ( المشراق ) وتبعا لذا تلاشت فرص التواصل للمسنين ، ولكن أنماطا تواصلية بديلة ظهرت لتصنع مشراقا افتراضيا يملأ الفراغ الوقتي والذهني ، تلك هي إحدى وظائف ( تويتر ) اليوم وهي وظيفة تفترق جذريا عن المشراق التقليدي ، من حيث إنها لا تنظر زائرا طارئا قد يأتي ، وكثيرا لا يأتي ، بل إن الطارئ في تويتر هو القاعدة ،ويجري التواصل فيها عبر تجدد متصل وتفاعلي وحيوي ودون قيد ظرفي ، مكانا وزمانا ، وفي تويتر تختلط الأمكنة والأزمنة ، وهذه بالنسبة للشيبان صارت مرتعا خصبا للتخلص من قيد العزلة الاجتماعية والتواصلية ، وقد عبر عنها عثمان الخويطر في تغريدة تصف وظيفة تويتر للمتقاعدين من مثله ومثلي ، حيث قال : ( الله يخلي لنا تويتر ، إن ضاقت صدورنا لجأنا لتويتر ، وإن توسعت عرجنا على تويتر ).