خالد بن حمد المالك
تقترب ساعة الرحيل لهذا أو ذاك من أبناء وبنات الوطن، آباء وأمهات وأبناء وأشقاء وشقيقات وأصدقاء وزملاء، بمرض يدني أيَّاً منهم من القبر لتعذُّر العلاج ووصول الحالة الصحية إلى مرحلة متقدّمة استسلم معها الأطباء وسلَّموا بعجزهم في العثور على علاج لمريضهم.
* *
يتابع الأقربون الحالة بخواطر مكسورة، وحزن مبكر، يسبق عادة لحظة توقف نبض القلب واختفاء دقاته، وقد استسلموا للقدر القادم، والنهاية المأساوية المستقبلية المتوقعة، التي ينتظرون فيها أن يعلن الأطباء أن كل شيء قد انتهى، ولم يعد أمامهم ما يمكن أن يفعلوه، فيما يكون المريض قد غادر الحياة.
* *
وما من أحد إلا وقد مرت به هذه الأجواء، واكتوى من لوعة الفراق، وعاش حزيناً بدمعه وصوته ومظهره، مع كل فقد غال عليه، ومع كل وفاة مسَّت مشاعره، وجعلته في حالة أرق كلما تذكر أنه لن يرى حبيبه أو حبيبته بعد اليوم.
* *
ودون أن يكون هناك من استثناء بيننا، تمرُّ بنا عواصف من نوع هذه الأحزان، ونتعايش - مضطرين - مع سُحب تمطرنا بأشكال من الفواجع، ونحاول أن نتأقلم ونتجلد مع كل لحظة انكسار تعترض حياة كل منَّا، فالحياة لا تخلو من المنغّصات وإن صاحب ذلك شيء كثير من أوجه السعادة والحبور.
* *
المعنى أن علينا أن نكرِّم من يستحق التكريم من هؤلاء الذين رحلوا، وأن نحاكيهم في إنجازاتهم، وأن نبلغ بطموحاتنا ما بلغوه، وأن نكون أوفياء لمن كانوا نماذج مضيئة في تاريخنا، وما أكثر هؤلاء، وإن طويناهم بنسياننا، وتجاهلنا، وإعطاء صفح عن أي تعليق إيجابي كلما وردت أسماؤهم، أو تردد شيء من القصص والروايات عنهم.
* *
أوجُه التكريم كثيرة ومتنوعة ومتاحة وسهل تحقيقها، تسمية الشوارع والميادين والمدارس بأسمائهم بحسب قرب علاقاتهم بأيِّ واحدة منها، جوائز سنوية تكون مرتبطة أهدافها بمنجزاتهم، رصد ما قدموه وتوثيقه في كتب وعروض مصورة، وهكذا يمكن عمل ندوات ومحاضرات عنهم، وما إلى ذلك من أساليب حضارية لإظهار تقديرنا لأدوار قاموا بها قبل أن يرحلوا.
* *
هناك بعض ما تم في هذا النطاق، ما لا يمكن تجاهله أو نسيانه، لكنه على نطاق ضيق، ولأسماء محدودة، وبمبادرات أغلبها شخصية، وما ننادي به أكبر من ذلك بكثير، ولنا في تكريم خادم الحرمين الشريفين في الجنادرية كل عام للمبدعين والرواد قبس من ضياء يفترض أن يضيء لنا الطريق.
* *
المجتمعات الحية هي التي تفعل ذلك، وبالتالي فكل قرية أو مدينة يمكن أن تكون لها جائزة باسمها لذات الهدف وتخص بها الرواد من مواطنيها، شوارع قرانا ومدننا وميادينها ومدارسها وقاعاتها وصالاتها، ما الذي يمنع من تسميتها بأسماء الرواد والرموز والمبدعين والمتفوقين من هذه القرى وتلك المدن، وأن يصاحب ذلك ندوات ومحاضرات وفعاليات متنوعة.
* *
لنبدأ بمن ماتوا ولم ننصفهم، ممن لم يأخذوا نصيبهم من التكريم، ولم نعرِّف الشباب بما فعله هؤلاء الرواد، وصولاً إلى تكريم الجيل الجديد المتميز والمبدع من الأحياء، فالمشوار طويل، وإن بدأنا به كما أتمنى نكون قد اختصرنا طريق الانتظار غير المبرر بتكريم من يستحق التكريم قبل أن يفوتهم قطار التكريم.