د.عبدالله مناع
في السادس من هذا الشهر - فبراير - .. شهدت مدينة (رام الله) - مقر السلطة الفلسطينية - (احتفالية) فلسطينية عن: (القدس: عاصمة للشباب المسلم والمسيحي)! وهي احتفالية هدفها دعم ورفع الروح المعنوية لـ (المقدسيين) الصامدين في (مدينتهم)، رغم كل المصاعب والمتاعب التي يلقونها صباح مساء من الاحتلال وجنوده وشرطته، والذين اضطربوا أشد الاضطراب بعد (تصريح) الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) في السادس من شهر ديسمبر - الماضي - الذي أعلن فيه (اعترافه) بـ (القدس) عاصمة لـ (إسرائيل).. والذي رفضه العرب والمسلمون ووزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في مقرهم بـ (بروكسل).. إلى جانب الصين والهند والبرازيل وفنزويلا ونيوزيلندا، إلا أن هذه الاحتفالية جاءت.. بعد أن أدلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ (تصريح) رد به على اعتراف الرئيس ترامب بـ (القدس) عاصمة لإسرائيل الذي لم يطلبه منه أحد.. قال فيه: إنه (لن يقبل إلا بلجنة موسعة تحظى بدعم دولي للتوسط في السلام مع (إسرائيل).. وأضاف: (إن الإدارة الأمريكية لم تعد تصلح لأن تكون وسيطاً نزيهاً)!!.. وهو ما يعني أنه لم يعد يقبل بها في (اللجنة الرباعية) التي تهيمن عليها أو على رئاستها: الولايات المتحدة الأمريكية.. التي تعد من وجهة نظر الرئيس الفلسطيني محمود عباس (وسيطاً غير نزيه) في تحقيق السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.. كما أنها لم تعد كذلك بالنسبة لـ (القانون الدولي) واتفاقيات جنيف، التي تحرِّم تغيير (هوية) المدن والأراضي المحتلة.. إلى هوية مُحتلها.. كما هي حالة (القدس) الشرقية: عاصمة الدولة الفلسطينية عند قيامها.. والتي أراد (ترامب) تحويلها إلى أرض يهودية بـ (تصريح) أو إعلان منه..؟!
وقد أضاف سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة (رياض منصور).. لتوضيح فكرة الرئيس محمود عباس.. بـ (قوله): (إن اعتماد نهج جماعي يضم عدة أطراف.. سيشكِّل فرصة أفضل للنجاح.. من نهج يعتمد على وساطة دولية واحدة مقربة بشدة من إسرائيل)!! وهو ما يعني انتهاء الدور الأمريكي في اللجنة الرباعية فلسطينياً؛ بسبب (اعتراف) ترامب.. هذا، وبسبب إيقاف الدعم السنوي الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لـ (منظمة الاونزوا) لغوث وتشغيل اللاجئين، وأنه - يسعى في المقابل لـ (إصدار قرار فلسطيني.. - لتأسيس آلية دولية جديدة لـ (رعاية السلام).. ؟!
***
فإذا كان هناك من سيبكي على (خروج) الولايات المتحدة الأمريكية.. من اللجنة الرباعية والإسهام في حل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.. باعتبارها الدولة الوحيدة بين دول العالم أجمع التي يمكن أن تمتثل لها (إسرائيل)، فإذا تركت اللجنة الرباعية.. فمن سيتولى إقناع إسرائيل بـ (مصلحتها) في السلام وليس في (الاستيطان) والاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه من الأراضي الفلسطينية؟
لكن الواقع.. لم يكن ليخدم هذا الطرح المثالي.. إذ يكفي ربع قرن من الانتظار ومن مفاوضات إلى مفاوضات.. إلى مفاوضات لا نهاية لها طيلة تلك السنوات بين (السلطة) و(إسرائيل)!!
وكما يعلم المتابعون لـ (القضية الفلسطينية).. فقد خطفت الولايات المتحدة الأمريكية حفل التوقيع على (اتفاق أوسلو) الذي تم إنجازه سراً في (أوسلو).. بعد فشل (مدريد) والذي تم توقيعه فعلاً من قبل في العاصمة النرويجية (أوسلو).. ولكن أعيد التوقيع عليه مجاملة في حديقة البيت الأبيض.. حفاظاً على مكانة الدولة الراعية لـ (السلام)، بعد حرب أكتوبر 1973م، إذ لا يصح الاتفاق من خلفها، وقد تم إنجاز المرحلتين الأولى والثانية من الاتفاق بنجاح.. إلى أن وصل الفلسطينيون إلى المرحلة الثالثة.. وهي بيت القصيد - كما يقولون - .. وهي مرحلة (الحل النهائي) التي تتضمن ثلاثة بنود: الحدود واللاجئين والقدس، ليدوخ الفلسطينيون فيها السبع دوخات، كما يقولون، دون الوصول إلى (الحل النهائي) في ربع قرن من المفاوضات برعاية الولايات المتحدة، ليمتد عمر الاحتلال كل تلك السنوات التي بنت خلالها (إسرائيل) معظم مستوطناتها في أراضي الضفة الغربية وفي (القدس الشرقية) بفضل راعي السلام.. الذي ظهر جلياً أنه (راعي احتلال) وليس راعي سلام..؟!
ولذلك.. فإن خروج الولايات المتحدة من اللجنة الرباعية.. قد يكون هو بداية الحل النهائي لـ (الحدود) باعتماد حدود الرابع من يونيه من عام 1967م.. أما ما بعده فقد كان احتلالاً إسرائيلياً بارداً، ولـ (اللاجئين) بـ (التعويض) وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، فهؤلاء اللاجئون.. انتزعوا من أرضهم ومن منازلهم، وأُلقي بهم في عرض الطريق برعاية بريطانية - أمريكية.. أما (القدس) فقد جرى احتلالها إسرائيلياً بعد الخامس من يونيو 67م.. في نزهة برية لجنود الاحتلال.. ليعلن (مناحيم بيجبن) ضمها لـ (إسرائيل) وأنها عاصمتها (الموحدة)..!!
***
على أي حال.. يتوجَّب علينا أن نذكِّر هؤلاء الذين قد يتباكون على خروج الولايات المتحدة من اللجنة الرباعية.. وفي مقدمتهم (العرب الأمريكان).. بأن الولايات المتحدة التي كانت طوال الخمس والعشرين سنة الماضية.. بل ومنذ (التقسيم) الذي قامت بـ (تمويله).. فإنها لم تقدم موقفاً سياسياً واحداً (منصفاً) لـ (الفلسطينيين) وقضيتهم في (اللجنة الرباعية) أو في خارجها.. بل كانت - على الدوام - (قرصاناً) يحمل بين فكَّيه سكين الفيتو، ليمنع به صدور أي قرار منصف لـ (الفلسطينيين) أو لـ (أرضهم) المحتلة، التي كان - وما زال يجري - اجتياحها واجتياح شوارعها ومنازلها - بمن فيها - بالدبابات الإسرائيلية وقت ما تشاء إسرائيل.. دون أن تتمكن أي لجنة تقصي حقائق أممية من زيارة الأراضي المحتلة، ورؤية واقع ما يجري فيها رؤيا العين.. بفضل (الفيتو) الأمريكي، الذي امتدت قوته لـ (تمنع) أعضاء مجلس الأمن أنفسهم من التوجه إلى الأراضي المحتلة للتعرف على الواقع وتقديره، فما حاجة الفلسطينيين لـ (وسيط) سلام.. بهذه الدرجة من التربص والاستخفاف بـ (الفلسطينيين) وأرضهم وحقوقهم..؟
لقد جاءت غضبة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في موعدها وموقعها السياسي، وتوقيتها الزمني الدقيق تماماً.. ليعلن أحد الدبلوماسيين الفلسطينيين أن الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس محمود عباس سيبحثان آلية وساطة جديدة محتملة عندما يلتقيان في مدينة (سوتشي) الروسية الجنوبية خلال الشهر الجاري - فبراير -، وهو ما يفتح الأبواب لإقامة لجنة بديلة لـ (الرباعية).. قد يتحقق بها ما لم يتحقق من الرباعية الأمريكية السابقة، وهو ما سيعني في النهاية: العودة مجدداً.. لـ (معسكري): الرأسمالية والاشتراكية.
***
لكن هذه الاحتمالات المستقبلية.. لا تغني آنياً عن دعم (المقدسيين) اقتصادياً بما يمكِّنهم من الثبات والصمود في منازلهم ومزارعهم خصوصاً، وأبناء مدن الضفة الغربية الأخرى عموماً.. من قبل الدول العربية القادرة ومواطنيها والعرب عموماً.. دعماً يقضي على لعبة شراء الأراضي والمنازل والمزارع الفلسطينية.. التي لعبتها (إسرائيل) - كما يقال - في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي!! فـ (الساحة السياسية) الشرق أوسطية مفتوحة لكل الاحتمالات!.