مها محمد الشريف
عندما يولد العصيان في البشر ويربو في مناخاته المناسبة وتنصرف أفعال البشر عن مساراتها الطبيعية وتتوالى الخسائر ثم تعقبها الهزائم والانكسارات..
سوريا صورة معاصرة لهذا ولم تزل تضخ دماء الظلم. لقد مزق بشار شعبه وظلم الأمة التي ينتمي لها فكان الانحدار السحيق في الفعل ثم الانهيار الشامل والمدمر أولاً لكيان الدولة التنظيمي والعسكري والاقتصادي والسياسي نتيجة العجز السياسي ونشاط الصراع على إثره لتتجاوز فيه الفوضى حدودها ويتعاظم حجم الضرر.. سارعت الدول إليه تبحث عن حلول وإيقاف عجلة الموت وآلة الحرب والإبادة، لكن ما زالت المأساة تقبض على يد الرحى والطحن مستمراً، وبكل تأكيد الحالة غير متكافئة لأن النظام في هذا البلد ارتكب خطيئة لا تغتفر بحق شعبه ودولته.
لهذا السبب شاركت عدة أطراف كل حسب مصلحته السياسية، فاستحال اندلاع الحرب إلى فخ ينفجر كل يوم أوجده بشار للأمة العربية وليس لشعبه فقط، وتبناه غيره من أعداء الأمن والسلام في العالم العربي، فقد تم استدعاء روسيا وأمريكا ودخلت تركيا واعتدت إيران، ومن ثم بدأت المخططات التي تُدبر بين الدول المعززة لدور الأسد في الحكم بعد ضرب النفوذ الإيراني بين روسيا وأمريكا، ويبدو أن التصعيد الجديد بين الكبار له منحى آخر، ويبدو أن التدخل الروسي قد كتب على الصفحات الأولى من مأساة سوريا فشل أو إفشال جهود السلام.
فمع نهاية 2017 أكد بوتين دعم بلاده لسوريا عبر بوابات أمريكا في الشرق الأوسط، وأخذت دورها كاملاً بعد ضعف الدور الأمريكي أو تراجعه المقصود في المنطقة، والآن يأتي الدور الفرنسي القادم بأهدافه والفرنسيون هم الشريك الأساسي للوجود الروسي في سوريا تاريخياً.. فهذا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يهدد بالثأر للشعب أو في حال تعثر إحلال ظروف مناسبة وأحوال ملائمة وفي حال حصول فرنسا «على دلائل دامغة عن استخدام أسلحة كيميائية ممنوعة ضد مدنيين» من قبل النظام في سوريا، «فسيضرب»، وقال ماكرون أمام جمعية الصحافة الرئاسية: «سنضرب المكان الذي خرجت منه (هذه الأسلحة) أو حيث تم التخطيط لها، سنضمن التقيد بالخط الأحمر».
وفي هذا الخليط الدموي والسياسي المتنافر من الحوادث المأساوية ينعي بقية العالم الأمل والسلام في سوريا، فقد احتد التنافس على الحرب وسيطرت كل دولة على المكونات التي تريدها ودشنت من خلالها مصطلح اللعبة وفقاً لقوانين وقواعد غامضة، فقد كان الاعتراف الدولي المتكرر بتعقيد عملية السلام أمراً مشتركاً بين تركيا وروسيا وواشنطن وأيضاً إسرائيل، لذا، فُقدت البوصلة وكبرت المخاطر وارتفعت نسبة الغايات المدمرة وهاهم قادة الغرب والشرق يساهمون في اتساع الفجوة بين السلام والحرب.
من الخطأ اعتبار قمع وإرهاب ثورة الشعب في سوريا سلاحاً أساسياً لبقاء النظام وشن الحملات الدعائية لصالحه، ومن ثم كسب تأييد دولي وتكثيف الجهود العسكرية لتخليد منجزاته، حتى أصبحت المسألة كما أكدها الرئيس الفرنسي بأنها محاربة الإرهابيين في حال توفر الدليل لينفذ ما أعلنه.