عبد الرحمن بن محمد السدحان
1) ما يعرضه هذا البند من مقال اليوم.. ليسَ (أضغاث أحلام) تعبث بالعقل وتفتن الوجدان في يقظة عين أو انتباهتها، بل هو تأملٌ لمنظومة من الآمال والأماني والرؤى التي تراود الخاطر بحثاً عن درب السعادة، تعطّرها شفافية الإيمان بالله والرجاء فيه، وتؤطّرها وجدانيةُ التفاؤْل طمعاً في حال أفضل من حال، قوامه العيش الكريم، المادي منه والمعنوي، مما فيه زادٌ للبدن.. ويقظةٌ للفؤاد، وشفاءٌ للروح من أوضار العصر! والحياة بدون هذا النمط من الحلم المتفائل، أو التفاؤل الحالم، إنما هي كليل شتاء جامد أو ضُحى صيف مشتعل، في كليهما أذى للبدن والروح معاً!
* * *
2) سُئلت ذات يوم: ما هو الحلم الذي تتمناه.. وآخر تتمنّى النأي عنه.
* فقلت إنّ الحلم الذي أتمناه الآن أو أرغب (عنه) في آنٍ هو حالتان من نور ونار!
* فهو (نورٌ) كلَّما اقترنَ بالوسيلة الشريفة والمبدعة لتحقيقه!
* وهو (نارٌ) كلّما حلّق بصَاحبه في أجواء يحتضنُها (سعير) الخطيئة أو فراغ السرابُ! فإذا استعاد المرء وعيَه، أو عاد إليه وعيُه، لم يشهدْ إلاَّ ألسنةً من لهبِ الإحباط والفشَل!
* * *
3) والحلم عندي بعد هذا وذاك أصناف!
* منها ما يرقى إلى مستوى الإلهام..
* ومنها ما يهبط إلى قاع القنوط..
* ومنها ما تبدّده ريحُ الغلوّ.. فيغدُو هباءً منثُوراً!
* عندئذٍ، يتحول الحلم إلى (فضلات هواجس) يهبط بها القنوط إلى قاع الإفلاس النفسي الذي لا يؤتي خيراً!
* * *
* وسُئلت مرةً ما هو أعذب أحلامك وأمرُّها؟
* فقلت: لقد علّمتْني الحياةُ أن أمرَّ الأحلام أعذبُها أحياناً، لكنّها في هذا الحال تظل أطيافاً لا (تضيء) حقاً ولا (تطفئ) باطلاً.. ولا تسمن من جوع ولا تروي من ظمأ! والحديث عن (الحلم) بوجه عام معينٌ لا ينضب، يستمدُّ من الوجدان شفافيته، ورحابةَ أفُقه، وحميميةً مضْمونه، لكنه في كل الأحوال، يظلُّ نجْوىً مغلّفةً بخصوصية (الأنا) التي تمنحُ (الحلم) شأناً خاصاً به ولكن بلا سطوة ولا سلطان!
* * *
* ويستأنف السائل سؤاله: بمَ تحْلم الآن؟ فقلت:
* أحلم بعالم (مفرّغ) من الحرب، (مشحون) بالحب، (نقيَّ) من الإثْرة، (غنّي) بالإيثار!
* أحلم بعالم يُبشّر الإنسان بحريته، ويوقد في وجدانه جَذْوةَ الكرامة وعشقَ الموهبة، عالم يبدع في ردْم فجوات الفقر والجهل والمرض وأعاصير الخُلْف بين الأمم!
* * *
* وأستشهد على بعض ما أقول بشيءً من (أطلال) طفولتي، فقد كان أغربُ ما فيها أنني لم أحلم يوماً بأيّ مما تحقق لي اليوم، بفضل من الله، سواءً في الشأن الشخصي أو العام، والسَّبب في ذلك أن مسَاحةً هامةً من فجر طفولتي كان يكسو بعض طبقاتها جليدُ الحرْمان من حنَان الوالديْن، وزينة الحياة!
* * *
* كنتُ أحلم آنئذٍ أن أنعم كبيراً بما افْتقدتهُ صغيراً، بدْءاً بالعمل الجاد ذي السعرات الغنية بالإنجاز، وانتهاءً بالرداء المنصف لآدميتي! وأحمد الله من قبل ومن بعد أن تحقق لي أكْثر ممّا كنت أحلم به!
* * *
* وأخيراً ماذا تقول للمجدفين وسط أمواج الحلم؟! أقول لهم ما يلي:
* إذا تعثّرتْ بك الخُطى في دربٍ من دروب الحياة، ولم تنلْ ما تحلم به، فلا تنعَ حظَّك العَاثرَ، أو تلعنَ الظلام! نمْ ملءَ جفونك واحلمْ من جديد، فالأيام حُبْلى بكل حلم جديد!
* باختصار شديد: لا تحلم بالمستحيل، كي لا يتحوَّل حلمُك إلى (نَصْلٍ) يغَتال فيك إرادةَ الحبّ والحركة والحياة!