د.عبد الرحمن الحبيب
ليست المرة الأولى التي يُعلن فيها عن إعادة إعمار العراق، فقد قيل كثيراً عنها بعد الغزو الأمريكي عام 2003 وكانت النتيجة دماراً هائلا للعراق وزعزعة لاستقرار المنطقة! هذه المرة، ماذا يمكن أن يقال وماذا يمكن أن يُفعل؟ أو بالأحرى ما الذي ينبغي تجنبه؟ الفساد، الطائفية، الفوضى، التسلط الخارجي، الإرهاب.. الخ؟
بعد الانتهاء من مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق الأسبوع الماضي، وإعلان التعهدات المالية من دول ومؤسسات بمقدار 30 مليار دولار، يبرز سؤال عريض: هل العراق بكل موارده الضخمة بحاجة للمال فقط أم لأشياء أخرى أيضا؟ وزير التخطيط العراقي سلمان الجميلي أوضح خلال المؤتمر أن الحجم الكلي للأضرار بالعراق بلغ 45.7 مليار دولار. فهل حلّ المسألة بتسديد هذا الرقم المتواضع!؟
إذا افترضنا أن هذه التعهدات المالية لدعم العراق سيتم الالتزام بها وأن الفساد سيتم تحجيمه، فهل سيعيد ذلك إعمار العراق؟ إن العراق يحتاج إلى أكثر من مجرد نقود، كما قالت كاتارينا ريتز، رئيسة وفد لجنة الصليب الأحمر الدولية للعراق، مذكرة أنه لا يزال الآلاف محتجزين بعد دحر داعش، بمن فيهم النساء والأطفال.. ومؤكدة: «إنه يجب أن يجدد [العراق] اعتماده لسيادة القانون، ويقدم إجابات للأسر التي فقدت أحباءها بالحرب.. علينا أن نحصل على هذا الحق للشعب العراقي».
أمامنا أسئلة متراكمة تضع برنامج إعادة الإعمار في مهب الريح إن لم تتم الإجابة عليها في أرض الواقع وليس في كلمات المسؤولين. لا شك أن التشاؤم ليس خياراً، فلا خيار غير دعم العراق من أجل أمنه واستقراره فهو أمن لدول المنطقة كافة، ولكن لننتبه كي لا تتكرر كارثة «الإعمار» السابق!
لعل الأسئلة تبدأ أخلاقياً بتحديد الدول المسؤولة عما حلّ بالعراق؟ أمريكا وإيران. أمريكا هي المسؤول الأول نتيجة غزوها للعراق، وإيران مسؤولة بدعمها لمليشيات طائفية وتسلطها في مؤسسات الدولة وإضعافها لها.
المسؤولون الأمريكان أعلنوا قبل المؤتمر بأسبوع: «إننا لا نعتزم إعلان أي شيء» (رويترز). وقبلها سبق للرئيس الأمريكي أن انتقد الإدارات السابقة ذاكراً أن أمريكا أنفقت بغباء نحو 7 ترليون في المنطقة كان يمكن أن تذهب للداخل الأمريكي، وأنه غير مستعد لمزيد من الهدر المجنون. ورغم ذلك فالمندوب الأمريكي قال قبل نهاية المؤتمر إن أمريكا ستمد العراق خط ائتمان بقيمة 3 مليارات دولار، إلا أنها لن تقدم أي مساعدات مباشرة للحكومة. وأعربت الإدارة الأمريكية عن أملها بالاعتماد لحد كبير على حلفائها بالخليج لتحمل عبء إعادة إعمار العراق، وعلى التقارب بين السعودية بوزنها الكبير والعراق لإضعاف نفوذ إيران التخريبي هناك، بحسب رويترز.
أما إيران فكل ما قدمته في المؤتمر هو الابتعاد عن الموضوع وحتى عن الصور رغم حضور وزير خارجيتها. لذا، انتقد كثيرون غياب إيران عن المساهمة في إعمار العراق، وهي المتوغلة بالعمق العراقي، متهمينها بالمسئولية الكبرى عن «خراب» العراق. عموما، ليس متوقعاً من النظام الإيراني ببنيته السياسية والاقتصادية أن يشارك في الإعمار، فأساس إيديولوجيته «تصدير الثورة» تقوم على دعم المليشيات وليس التنمية أو بناء الاقتصاد، والهيكل الاقتصادي الإيراني هش هو نفسه بحاجة إلى إعادة بناء.
إذن، أكبر مسؤولين عن دمار العراق أحدهما مساعدته ضئيلة والآخر معدومة. فما هي تكلفة إعادة إعمار العراق؟ يحتاج العراق إلى 88 مليار دولار لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، وفقا لوزارة التخطيط العراقية. وبحسب المدير العام بوزارة التخطيط العراقية، فالعراق بحاجة إلى 23 مليار دولار بشكل فوري، وأكثر من 65 مليار دولار على المدى المتوسط.
وإذا كانت النسبة الكبرى من التعهدات المالية في مؤتمر الكويت أتت من دول الجوار (دول الخليج وتركيا) باستثناء إيران التي لم تقدم شيئاً، فإن أهم سؤال هو كيف ستأتي هذه التعهدات المالية وأين ستذهب والجميع يعلم مقدار الفساد المستشري في العراق فهو الدولة العاشرة الأكثر فساداً في العالم، وفقا لمنظمة الشفافية الدولية. الأسوأ أن يذهب جزء من هذه المساعدات للمليشيات التي تزعزع الأمن وسيادة القانون..
حتى مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أكيم شتاينر الذي يفترض أن يكون بغاية الدبلوماسية والابتعاد عن الكلمات المتشائمة، قال لرويترز: «إن العراق ربما لن يتمكن من جذب المزيد من التعهدات بسبب ارتباطه بالفساد..» لكنه استدرك: «هل سيكون من الأفضل الدعم دون تعهدات اليوم؟ الجواب واضح لا. هل ستكون أفضل حالاً إذا كان كل ذلك في شكل تمويل للمنح؟ إطلاقاً».
في كل الأحوال يظل الفساد هو العقبة الكأداء التي ستواجه جهود إعادة الإعمار وفي قناعة المانحين، إذ يشكك كثيرون في مصير الأموال الممنوحة التي هي أصلاً غير كافية، وفي الآلية التي سيتم تطبيقها في توزيع المساعدات.. هذه المعضلة جنباً إلى جنب مع حل الإشكالات المرتبطة بعدم سيادة القانون وضعف الأمن.. وأخيراً، ضعف بنية المؤسسات العراقية إذ ليس من المتوقع أن تستلم الحكومة العراقية المساعدات نقداً، إذا كان متوقعاً أن أغلبه لن يذهب إلى المأمول منه لإعادة إعمار العراق بل ربما لدماره!