لبنى الخميس
هل سألتك نفسك يوماً كم قضيت من عمرك في الانتظار؟ أن تنفرج أمامك أزمة ازدحام مرورية خانقة؟ أن يباغتك ذلك الاتصال الذي طال انتظاره؟ أن يوضع أمامك طبقك المفضل وأنت تتضور جوعاً؟ أن يسجل فريقك هدف الفوز بعد أشواط ساخنة؟ أن تتغير شخصية مديرك؟ أن يصل فارس أحلامك؟ وأن يبدأ الآخرون بملاحظة مواهبك وتقدير عطائك؟ نحن ننتظر كثيراً وفي مواقف ومراحل متنوعة من حياتنا.. ونوزع أسماءنا وأوقاتنا في قوائم انتظار متعددة.. يدوم بعضها لساعات.. ويسرق البعض منها عمراً بأكمله!
جميعنا تجرعنا أنواعاً مختلفة من الانتظار.. ظننا ونحن نعيش دقائقها وأيامها أنها الأطول والأصعب.. ذلك المجتهد الذي ينتظر إعلان درجاته.. وذلك العاطل الذي يراقب عقارب الساعة بانتظار موعد مقابلته.. وتلك الحامل التي تداعب بطنها بانتظار وصول جنين كبر في أحشائها.. وذلك المريض الذي يشطب كل جرعة كيماوية يقترب مع اكتمالها من وطن العافية!
لكن ما العوامل المؤثرة في انتظارنا كبشر؟ ماهية الشيء الذي ننتظره تحدد مدى تحرقنا للحصول عليه، ندرته.. وحصريته.. وحداثته.. انتظارك للقاء شخصية مؤثرة في حياتك لأول مرة لا يشبه شغف انتظارك لشخص اعتدت لقاءه يومياً.. أو انتظارك لحقيبة وضعك صانعوها على قائمة الانتظار لشهور طويلة لا يشبه لهفتك لارتداء حقيبة ابتعتها من واجهة المحل..
وبالمناسبة نحن قد ننتظر الأشخاص والأشياء نفسها بلهفة متفاوتة وفقاً للظرف أو الحالة.. ذلك الشخص الذي اجتمعنا به بعد سفر.. أو التقيانه بعد خصام.. كما أن انتظارك وحيداً لشيء ما لا يشابه انتظارك لحدوثه مع مجموعة تشاركك الشغف نفسه.. زملاء دراسة شاركونا لهفة انتظار التخرج.. أو ركاب قاسمناهم فرحة إعلان الإقلاع بعد ساعات من التأجيل.. أو مع معجبين احتفينا معهم بنزول الموسم الجديد من مسلسلنا المفضل!
-ولأن الانتظار متصل بالوقت ومدى استشعارنا لقيمته.. لابد أن نسأل كم ننتظر؟ وما سعة احتمالنا للوقوف في طوابير طويلة قبل أن نفقد أعصابنا؟ في أميركا مثلاً -حيث تُجرى أبحاث عن كل شيء وجدوا أن الفرد الأمريكي ينتظر 32 دقيقة كلما زار الطيبب، 28 دقيقة على طوابير التفتيش في المطارات، 13 ساعة سنوياً على هاتف خدمة العملاء، و38 ساعة كل عام وسط الازدحام المروري.
أما في بريطانيا فأثبت مسح حديث أن الشعب البريطاني بدأ يمل الوقوف في الطوابير ويستبدلها بالشراء ليلاً أو عبر الإنترنت.. فبحسب دراسة أجراها مجلس المدفوعات البريطاني اتضح أن المواطن هناك أصبح يفقد أعصابه في المتوسط بعد 10 دقائق و42 ثانية. أما في نيوزيلندا فقد أدرك الناس حجم الوقت المهدور في ساعات الانتظار فاستبدلوا الطوابير البشرية بطوابير روبوتية، يحمل كل ربوت منها تطبيق فيس تايم يوصل المستخدم بمزود الخدمة أينما كان دون أن يتذمر من طول وملل الطابور. أما في وطننا العربي.. فالانتظار قد يطول كثيراً.. فبعد المغرب قد تعني بعد العشاء.. والخمسة دقائق قد تعني نصف ساعة. والسنة القامة قد تأخد عمراً بأكمله.
ولأن الانتظار حالة شخصية تعكس أحلامنا ورغباتنا في الحياة كأفراد ومجتمعات، سألت المتابعين في سناب شات عن أكثر ما ينتظرونه؟ وحللت إجابات عينة من ألف شخص، تصدرها انتظار الوظيفة، ثم التخرج، ثم الارتباط، كما ضمت القائمة انتظار العودة من الغربة، إنجاب طفل، تملك منزل.. الإجابات لم تتطابق دائمًا بل تناقضت
أحياناً.. فهناك من ينتظر ورقة الطلاق، وهناك من يحلم بالرحيل، وهنا من ينتظر اليوم الذي يتوقف فيه عن وجع الانتظار نفسه.
في المقال القادم نناقش.. هل الانتظار دائماً سلبي؟