م. خالد إبراهيم الحجي
إن الشراكات الإستراتيجية الدولية هي علاقات بين شركات كبرى أو بين دولتين أو أكثر، تقوم على أساس التعاون المشترك وتبادل المنافع ورعاية المصالح المشتركة وحمايتها من جميع الأطراف، مثل: الشراكات العلمية والتكنولوجية والتجارية والصناعية.
وسيبرهن الواقع على أهمية الشراكات التكنولوجية وفائدتها لجميع الدول التي تسعى إلى الريادة التكنولوجية الحديثة. والقارئ لإستراتيجيات الدول الطموحة في مختلف أنحاء العالم يجد أن معظمها تسعى في عمل دؤوب بجد واجتهاد إلى أن تصبح دولاً عالمية رائدة في مجال الابتكارات والتكنولوجية الحديثة في أسرع وقت ممكن، لتحقق مزيداً من الرخاء والرفاهية والتطور والمدنية من خلال زيادة الإنتاجية والانتعاش الاقتصادي الأفضل على أقرانها وأندادها من الدول الأخرى. والتقدم التكنولوجي له أثر كبير على نمط الحياة المدنية في الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا الحديثة، فتكن لها الدول الأخرى كل احترام وتقدير، وتعتبرها مثالاً يحتذى به، ونموذجاً لها، فتتجه لتقليدها ومحاكاتها قدر المستطاع؛ لأن الريادة العالمية في مجال التكنولوجيا تعطي الدول «قوة ناعمة» تستطيع التأثير الدبلوماسي والسياسي على المسرح الدولي، وتحافظ على مصالحها وتبعد عنها سياسات التهديدات العدائية من الدول الأخرى، وتمنحها أيضاً قوة عسكرية من خلال تطوير قوتها الأمنية والعسكرية، لسهولة الانتقال وإمكانية التحول من مراحل العلوم النظرية والابتكارات في التكنولوجيا المدنية إلى الاختراعات في التكنولوجيا العسكرية التي تعطي الدولة احتراماً وتقديراً وتأثيراً عالمياً، وهيمنة أكبر وأوسع.
وخارطة الطريق لمعظم الدول الطموحة التي تسعى إلى الريادة في مجال الابتكارات والتكنولوجية الحديثة تبدأ بالمعرفة العميقة والفهم الدقيق للتحديات التي يواجهها رواد الأعمال والشركات الوطنية، وإدراكها الجيد للحاجة الملحة إلى التكنولوجيا لتطوير الابتكارات في مجال التكنولوجيا من خلال توفير منصات التمويل، وبرامج التقنية الحديثة، وأدوات التطوير التكنولوجي المبنية على احتياجات المبتكرين من: الشركات التي تطور منتجات جديدة، أو عمليات تصنيع تكنولوجية حديثة، أو ورش ومصانع تقليدية ترغب في إدخال عمليات التصنيع المبتكرة في أنشطتها، أو شركات وطنية تبحث عن أسواق دولية جديدة، أو شركات متعددة الجنسية مهتمة بالتكنولوجيا الوطنية، أو مجموعات أكاديمية تبحث عن ترجمة أفكارها الابتكارية إلى تطبيقات تكنولوجية على أرض الواقع. وتحقيق ما سبق من خارطة الطريق يتطلب استثمار المؤهلات التعليمية العالية المتوافرة في سوق العمل ومراكز البحوث والتطوير، خاصةً حَمَلة الدرجات العالية في المجالات العلمية المختلفة لإنتاج المعرفة، وإجراء التجارب المختلفة للوصول إلى النتائج العملية، والابتكارات التكنولوجية لتطبيقها على أرض الواقع.
والنقص والعجز في الخبرات العلمية والتكنولوجية يمكن تكميله وسده باستقطاب أصحاب العقول المفكرة والمبتكرة والعلماء من جميع دول العالم بكل الطرق الممكنة، لتكوين عناقيد الابتكار من المبتكرين والمخترعين والمتعهدين المستثمرين والشركات المختلفة لتعمل جنباً إلى جنب، بالاشتراك والتنسيق مع المختبرات المتخصصة ومراكز البحوث العلمية والتطوير على مستوى دول العالم، لتتعاون مع بعضها البعض لدعم البحوث العلمية، والاكتشافات المتنوعة والابتكارات المختلفة التي تنفع المجتمعات وتفيدها وتحويلها إلى واقع ملموس، لذلك نجد أن الدول الكبرى المؤثرة والفاعلة على المسرح الدولي تسعى إلى تأسيس منظومات الشراكات العالمية لتكميل النقص وسد العجز في مجال العلوم والتكنولوجيا الحديثة؛ مثل:
(1): الشراكة التي تمت بين شركة سامسونج لإنتاج الجوالات الكورية وشركة جوجل الأمريكية لاستخدام نظام آندرويد لتشغيل جوالات سامسونج.
(2): الشراكات التي تمت بين فرنسا وبريطانيا وألمانيا لتصنيع أجزاء طائرات الإيرباص للركاب في الدول الثلاث والتجميع النهائي في فرنسا. (3): شراكات التصنيع التي تمت بين معظم الدول الأوروبية والاتفاق على أن تقوم بعض الدول بتصنيع أجزاء المنتجات التكنولوجية المختلفة وتجميعها في بعض الدول الأخرى.
ولدخول المملكة العربية السعودية في شراكات دولية فاعلة لا بد من تأسيس «هيئة تطوير الابتكارات السعودية» لاحتضان الابتكارات الوطنية والتركيز عليها ورعايتها وتمويلها وتطويرها وتقديم برامج الدعم المناسبة للمبتكرين، وتذليل الصعوبات والعقبات التي تعرقل طريق التعاون الدولي، والشراكات الإستراتيجية، وتشجيع العملاء من الأفراد والمؤسسات والشركات الصغيرة والكبيرة ومراكز البحوث العلمية والتطوير الوطنية للدخول في شراكات إستراتيجية مع المستثمرين الأجانب، ومراكز البحوث والتطوير والشركات الدولية الرائدة لمنافسة الأسواق العالمية في التكنولوجيا الحديثة لخدمة الاقتصاد الوطني والدخل القومي.