عمر إبراهيم الرشيد
حين يُقال عن فترة السبعينات والثمانينات بأنها ذهبية فليس في الأمر مبالغة، ولا ينحصر هذا الوصف في مجال واحد، بل في عدة مجالات، في الإعلام، الرياضة، الصحافة، المسرح وغيره وليس محلياً فقط، بل عربياً وعالمياً. قبل أيام حين تداول رواد مواقع التواصل طرفاً من أخبار وصور المذيع العريق محمد الرشيد تفاعل معها قطاع عريض من الجمهور، وتداعت إلى ذهني مشاهده وحضوره في الشاشة الفضية وصوته عبر الأثير في الإذاعة كإعلامي مثقف له حضور متميز، ضمن تلك الجوقة البهية التي ضمت ماجد الشبل، غالب كامل، محمد الشايع، محمد كامل خطاب، منصور الخضيري وسليمان العيسى وغيرهم - رحم الله من رحل وحفظ من بقي-. لقد كان مذيعو الفترة الذهبية كما يطلق عليهم الجمهور وحق لهم ذلك، إعلاميين بمعنى الكلمة، ذلك أن أحدهم لم يكن مجرد مذيع يقرأ ما بين يديه من مادة، إنما مذيع أخبار كما أنه مقدّم برامج، محاور، ومراسل ميداني، مع خلفية ثقافية واطلاع على ما يصقل مهنته وشخصيته كذلك. محمد الرشيد واحد من هؤلاء، كان يقدِّم برنامج (ونة قلب) كسهرة إذاعية شاعرية تتناول قصائد وجدانية نبطية من نفائس الشعر ومن نظمه كذلك حسب علمي، فتعجب حين تستمع إليه كيف يجمع تلك القراءة الشاعرية بعد منتصف الليل مع القراءة الجادة للأخبار مساء، أو المقابلات والحوارات مع المسؤولين والوزراء وشخصيات المجتمع المتعددة الخلفيات آنذاك. لكنها الفترة الذهبية كما قلت، لأن القليل من المذيعين حالياً بالكاد يقترب من مستويات مذيعي تلك الفترة، أو النادر منهم حتى نكون موضوعيين. هنا، فإن لفتة معالي وزير الإعلام السريعة والإنسانية إلى المذيع المبتعد والمتقاعد محمد الرشيد تشعرنا بأن أصالتنا وطيبتنا ما زالت بخير ولله الحمد، وأننا مهما عصفت بصفاء نفوسنا زوابع الحياة فلا بد أن تردنا قيمنا الاجتماعية الإسلامية إلى طيبتنا. ومن جهة أخرى هي استفادة وتوظيف ذكي لخبرة هذا الإعلامي العريق في الرقي بأداء المذيعين والإعلاميين بشكل عام.
قبل أيام رحل سراج عمر أيقونة فنية ولحن وطني شجي بعد غياب وتواري عن الساحة، مثله مثل محمد المفرح وإبراهيم خفاجي ومعهم إعلاميون ومذيعون ورجال مجتمع، هؤلاء يشكلون خبرات متراكمة عبر الزمن كل في مجاله، مثلهم يشكلون رموزاً في مجتمعاتهم وخبرات يستفيد منها الجيل الشاب، حتى يلتئم حماس الشباب مع حكمة وخبرة الشيوخ فينتج مزيج راق محكم، والثقافة والفنون الراقية سلاح للمجتمعات ضد الهشاشة والانزلاق إلى مهاوي التطرف والجهل والتعصب. وإن كان أحدهم قد اختار اعتزال الساحة الإعلامية أو الظهور فيها فمن حقه احترام قراره مع حفظ حق تكريمه وتوثيق سيرته للوطن والأجيال، أما إن كان تواريه عن الساحة عن ظروف قاسية سواء مادية أو صحية فمن حقه وقفة وفاء وإكرام ومساندة وهذا يسري بالطبع على كل من هو في حاله ما أمكن إلى ذلك سبيلا، رافقتكم رعاية الرحمن.