عبدالله بن موسى الطاير
الأزمات التي عصفت بمنطقتنا لم نخطط ولم نسع لها لنكون جاهزين لمواجهة تداعياتها، وإنما فرضت نفسها على المنطقة، ولذلك فإن التعامل كان مع واقع فرض على اليمن وسوريا وليبيا والعراق. وإذا كان عدم التخطيط لإحداث الفوضى وتوطينها حسنة وقيمة إنسانية وأخلاقية تستند على مبدأ أساس في ميثاق الأمم المتحدة يدعو إلى عدم التدخل في شؤون الآخرين، فإن عدم التخطيط لما بعد هذه الفوضى العارمة والدمار الشامل الذي لحق بالإنسان والمكان هو خطأ استراتيجي لا يغتفر. بعد النظر يجعلنا نغمض أعيننا ونستشرف ما بعد انقشاع الغمة التي تضرب بأطنابها على هذه المنطقة المنكوبة من العالم، ونتخيل متطلباتها، ونخطط للتعامل معها بشكل محترف.
تقويض النظام الأمني العربي بدأ مبكرا في كواليس صناعة القرار في الدول العظمى التي تخطط على المدى البعيد، وإذا كان الباحثون يرون القرن 21 على أنه القرن الأمريكي، فمن الممكن أن نتوقع بأن عام 2025م سيكون نهاية مرحلة وبداية أخرى في المنظور الاستراتيجي الأمريكي. ضمن خطة أخرى لها تحدياتها ومتطلباتها. ملامح الربع الثاني من القرن الأمريكي أمكن رؤيتها في تصريحات متكررة من الإدارة الأمريكية حول إنفاقها حوالي 7 ترليونات دولار في العراق والمنطقة بدون أية «عوائد». فكيف يمكن لأمريكا تعويض خسائر تكبدتها في الربع الأول من قرنها الحالي؟.
أغلب الظن أن إعادة إعمار المناطق المدمرة في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن هي الجائزة التي تنتظرها الشركات الأمريكية العابرة للقارات، ولذلك يمكن فهم الموقف الأمريكي من عدم الإسهام المالي في مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي استضافته الكويت الأسبوع الماضي بشكل إيجابي. فعوضا عن «التبرع» عددت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها ريك تليرسون المليارات التي تم استثمارها في القطاع الخاص ومن خلال البنك الدولي واعداً بمستقبل مشروط بالشفافية والمحاسبة والاستقرار لإعادة بناء العراق وقال في كلمته «إن الأعمال الأمريكية تعمل بنجاح في العراق اذ تم على مدى الأشهر الماضية التوصل إلى اتفاقات تجارية بقيمة ملياري دولار في القطاعات الزراعة والتقنية المتجددة». هذه العبارة ربما تشير إلى أن المنطقة بمركز الأزمة التي بدأت في العراق عام 2003م في طريقها إلى صفحة أخرى من إعادة البناء وأن أمريكا التي ترى العراق بلدا «غنيا» هي باتجاه جني الأرباح على مدى ربع قرن تبدأ من 2025م.
السؤال: ماذا أعدت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة كدولتين مستقرتين تتمتعان باقتصاديات ضخمة لمرحلة إعادة الإعمار في العراق وسوريا واليمن وليبيا؟ مبادرة المملكة لاحتواء الأزمات التي عصفت بالمنطقة وتضرر اقتصادها بشكل مباشر وغير مباشر، وما قدمته من مساعدات إنسانية خلال ربع قرن بمليارات الدولارات، وحملتها ضمن التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن كانت جميعها مصروفات ضاغطة على الاقتصاد المحلي، فكيف لهذا الاقتصاد أن يخطط للمنافسة في الحصول على جزء من كعكة إعادة الإعمار التي تتنافس عليها الشركات الغربية والشرقية العابرة للقارات؟.
المخطط الاقتصادي السعودي عليه مسؤولية أن يستعد لمرحلة الإعمار التي سينفق عليها ترليونات الدولارات سواء من ثروات تلك الدول وبخاصة العراق وليبيا أو من مساعدات إعادة الإعمار. صحيح أن المنافسة مع الشركات الأمريكية والأوربية والصينية الضخمة ستكون غير مضمونة الأرباح، ولكن فرض السعودية والإمارات مركزين للدعم اللوجستي والصناعات الإنشائية سيخفف التكلفة على الشركات العاملة في إعادة الإعمار.
التأسيس لما بعد الحروب والفوضى يستلزم أن تكون متطلبات إعادة الإعمار صناعة أساسية في عمليات هيكلة الاقتصاد السعودي. ليس هناك من عذر للمخطط الاقتصادي في إغفال هذا التوجه المستقبلي الذي سيأتي -إن شاء الله- لا محالة.