عبد الله باخشوين
.. نحن سكان ((شبه الجزيرة العربية)) نعتبر أقل سكان ((الأرض)) استمتاعاً بالبحر الذي يحيط بـ((أرضهم)).. فالمملكة العربية السعودية يمتد بحرها من ((حقل)) على خليج العقبة شمالاً.. ويمضي في مياه ((إقليمية)) على شواطئها عدد كبير من المدن والقرى الساحلية تغطى عدة الآف من الكيلو مترات براً وبحراً قبل أن تصل للحدود اليمنية لينحرف ((المسار)) قليلاً إلى المياه الدولية ويمر عبر ((مضيق عمان)) في رحلة مثيرة ومشوقة تصل إلى موانئ ((المنطقة الشرقية)).
هكذا يمكن ((تصور)) الرحلة البحرية - حسب فهمي للجغرافيا دون العودة للتأكد منها بمشاهدة خارطة الجزيرة العربية.
صحيح أن ((الحلم)) برحلة في بحر شبه الجزيرة العربية.. ليست بمثل جمال مناخ البحر الأبيض المتوسط والدول المطلة عليه.. لكنها لن تخلوا من المتعة الحقيقية إذا توفرت لها وسيلة النقل المناسبة.. ونعني بها السفن السياحية المجهزة بكل مستلزمات الرحلات البحرية التي قد تستغرق من أسبوعين أو اكثر.
لكن للأسف لا يوجد برامج سياحية وترفيهية بحرية على الإطلاق.. ولا توجد أماكن مطلة على البحر صالحة للسكن والإقامة عدة أيام سوى شواطئ مدينة جدة والمنطقة الشرقية.. أما الحلم برحلة بحرية من النوع الذي أشرت إليه فيحتاج إلى دراسة وكثير من التفكير والعمل لتحقيقها.
طبعاً من حقي أن أحلم...؟!
لأن كل المنجز الإنساني بدأ بالحلم.. رغم القول إننا شعب ((صحراوي)) بالفطرة.. حتى أن مدينة مثل جدة لا تستطيع أن تعتبر ((السمك)) وجبة رئيسية على موائد سكانها.. ولو حاولت أن تحصي عدد المطاعم والمحال المتخصصة في بيع السمك لوجدت أن نسبتها لا تكاد تصل ولا حتى عشرة في المئة من مجموع مطاعم المندي وغيرها من المطاعم التي تعتمد على ((اللحم)) لتلبية طلبات زبائنها.. إلا أن هذا لا يعني أن أي منا لا يحلم بأن يخوض تجربة القيام برحلة بحرية يتمكن من خلالها من الاستمتاع بالبحر ومشاهدة المدن والقرى الساحلية والتوقف للتجول في بعضها لعدة ساعات.. إضافة لما يمكن أن يراه من موانئ ومدن يمنية وعمانية وخليجية قبل أن يصل إلى المنطقة الشرقية وتتحول مسارات الرحلة بين العودة براً وبحراً وعبر المسار نفسه الذي سوف يختلط بهم أفواج من المنطقة الشرقية لتجربة هذة المتعة في رحلة عودتها.. وهكذا.
الغريب أني سألت نفسي: ((ليه ما فكرنا بهذي الطريقة من زمان)).. وبعد تأمل قصير جاءت الإجابة.. التي تقول وتؤكد أن نافذة الحلم كانت مقفلة.. لكن بعد أن خاض عدد غير قليل من أبنائنا تجربة الدراسة في الخارج.. في احتكاك مباشر منذ عدة أعوام وفي أنحاء مختلفة من العالم.. ونهض فينا جيل جديد.. إن لم نقل أجيال.. وجاء للصدارة والقيادة شاب حالم وواعي ومتفتح العقل والروح هو ولي العهد محمد بن سلمان.. وتجاوزت أحلامه الوعود والأماني والأمنيات.. ووضعها على أرض الواقع كمشروعات وخطط تلقفها الناس والتفوا حولها بروح جديدة فتحت كل نوافذ الحلم المقفلة.. أصبحنا نحلم ونتمنى ونريد.
لا بأس إن كنا جميعاً نتحدث في وقت واحد.
لا بأس إن كان كل منا يرى أن ما يريد وما يحلم بتحقيقه له الأولوية.
لا بأس بأخطائنا التي لم تكن تجد من يقيمها ويحاول وضعنا على المسار الصحيح.
لا بأس إن كنا نريد من يصغي لنا.. دون أن نحسن الإصغاء.
لا بأس بكل مثالبنا.. مادمنا قادرين على التعلم من أبنائنا.. وقادرين على احترام عملهم.. وقادرين على الاستفادة منه.
فمن قبل كنا نعلمهم ونقودهم ونرشدهم.. ثم فتحنا لهم أبواب العالم.. كل العالم الفسيح ليركضوا.. ويتعثروا.. ثم يعودوا حاملين معهم ((بعض العالم)).. وهم منفتحين على كل العالم الذي تعلموا منه.
لقد تجاوزنا مرحلة البكاء على ((الماضي الجميل)).
ليس في ماضينا شيء جميل سوى ذكرياتنا التي نحملها عنه.
هذه هي الحقيقة الأكيدة - التي تجعلنا نحلم بأن نرى جمال المستقبل.