رقية سليمان الهويريني
أفرزت الأحداث السياسية المتواترة وتداخلها مع الظروف الاجتماعية والدينية حالة من الفوضى الفكرية في المجتمع، ووقع على أثرها كثير من الشباب ضحية لأصحاب الأهواء والأفكار المتطرفة والمنحرفة! وأدى ذلك إلى الانقسام حتى بين أفراد العائلة الواحدة! ولعله من المفيد المطالبة الملحّة بالعودة لفقه الاختلاف النبيل الذي ظهر إبان العهد النبوي، خصوصاً في ظل الظروف المحيطة بنا، وأعني به قبول الآخر والتحاور معه للوصول إلى كلمة سواء بدلاً من الفرقة والتمزّق!
وفقه الاختلاف بمعناه الحديث يقصد به الاستقلال الفكري وقبول التعددية بعيداً عن التبعية أو الخضوع لفكر منحرف يدعو للانشطار والصراع والإقصاء.
إن القضية الكبرى التي ندور حولها هي جدلية الوقوف عند النص أو إعمال العقل، فالعقل مغيّب أمام النص، الذي قد لا يكون حديثاً صحيحاً! رغم أنه لا يوجد في شريعتنا السمحة ما يتعارض مع العقل مطلقاً إلا في مغيبات محدودة! والنوازل الحديثة والقضايا الاجتماعية والاقتصادية الحالية تستوجب حتمية إعمال العقل!
وقبول التعددية يستلزم الانفتاح على العالم بشكل متوازن، ومراجعة المنهج الفكري المتطرف الذي يسلكه البعض، وعلى أثره ينبغي التأكيد على قبول الاختلاف وبالذات في المناهج التعليمية والبرامج الاجتماعية، وضرورة تعزيز مفهوم الوطنية كجزء من الأمن الفكري.
وكي لا يُترك الأمرُ اجتهاداً بين المؤسسات التعليمية والاجتماعية؛ فإنه يحسن تأسيس هيئة حكومية مستقلة لمتابعة ذلك، مع وجوب توسيع صلاحياتها، وتكون مهامها «بناء العقول» وتوجيهها بشكل سليم مع قبول مبدأ الاختلاف، بحيث تناهض ما ينشر من فكرٍ ضال، وشعارات وهمية توظّف باسم الدين والتوحيد وتنادي بالجهاد الفوضوي، وهي بشكلها تتدثر بالدوافع الدينية وتتلحف بالحماس وفي مضمونها تحريض وتسميم لعقول الشباب.
وينبغي أن يكون دور الهيئة وقائياً وعلاجياً، مع تشخيص الأحداث آنياً، ولها منبر إعلامي فعَّال ونشيط على الدوام؛ وليس فقط عند حدوث الاضطراب، وتضم بين أفرادها متخصصين في الشريعة وعلم الاجتماع والنفس والتربية.
ولعل السعي لإنشاء هذه الهيئة وإرسائها والإسراع في ذلك، من الضرورات التي يحتمها تسارع الأحداث وتنامي الفوضى.