أ.د.عثمان بن صالح العامر
السبت الماضي كان يوماً حائلياً رائعاً بكل تفاصيله، جوه، أمطاره، نسماته، لون بطحائه وجباله ونفوده التي تغيّرت بعد أن غسلها ماء السماء، الأمر الذي دفع غالبية أهالي وقاطني هذه المدينة - التي تزداد جمالاً وروعةً حين تغاث - إلى الخروج للبر «قيله»، ومع أنني لست من هواة الطلعات فإن روعة الجو مع نزول الغيث وتلبد السماء بالغيوم جعلتني أغيّر جدول يومي وأقضي السبت في سفح سلسلة جبال أجا، وقد انتهى بي التطواف قبيل المغرب عند قرية «جو»، وعلى وجه التحديد عند مدرستها المهجورة ذات الأدوار الثلاثة! وفي هذا المكان حزنت كثيراً لثلاثة أمور:
* بقايا إطارات السيارات التي تقطعت من التفحيط وتجمعت بشكل مأسوي على يمين الطريق ويساره.
* مبنى المدرسة المهجور الذي صار مقراً للأشباح ومحطة للدرباوية.
* الكتابات التي تملأ جدران المبنى بشكل لافت للنظر، بدءًا من السور وحتى آخر غرفة في المبنى.. أعتقد أن هذه الكتابات تحتاج إلى خبير يفك رموزها، ويزيل طلاسمها وشفراتها، ويدرس مجتمعها.
وللتاريخ أذكر - إن لم تخني الذاكرة - أنني منتصف عام 1425هـ حين كنت مديراً للتربية والتعليم في منطقة حائل، كتبت خطاباً لمقام وزارة التربية والتعليم حينذاك أطلب فيه تحويل هذه المدرسة - بعد أن أغلقت لعدم وجود طلاب فيها - إلى مقر للمعسكرات الكشفية كونها في منطقة برية جميلة ورائعة وقريبة من مدينة حائل، ثم تسليمه لإدارة النشاط الطلابي في إدارة التربية والتعليم بحائل، وإن تعذّر ذلك فإن من المصلحة الوطنية والمناطقية تسليمها لهيئة السياحة والآثار «الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني» لتقيم عليها مركزاً للسياحة البرية التي تتوافق مع طبيعة «جو» التي لها من اسمها نصيب، ولكن للأسف الشديد لم يتحقق لا هذا ولا ذاك، بل لم يأت الرد بعد!
اليوم لنا رؤية ولدينا إستراتيجية وطنية طموحة «رؤية 2030»، وهناك مشروع التحول الوطني 2020 ، فضلاً عن المبادرات النوعية المتميزة وفيها جميعاً جاء التأكيد لأن يكون العمل الوطني تكاملياً وشمولياً ونوعياً واحترافياً، فضلاً عن كونه مدروساً ومحكمًا، ولذا فإن من المجزوم به أن الوزارات التي تظن أنها تعمل وحدها في جزر مستقلة لا وجود لها في عهد العزم والحزم، عهد التسارع التنموي والإرادة الفذة.
أعتقد أن الوقت حان لحصر كل ما لدى الوزارات من ممتلكات عينية، خاصة العقارية منها كالمباني والأراضي التي ليست مستغلة ولا في الزمن المنظور نية لشغلها، ومن ثم التنازل عنها للجهة التي يعتقد أنها ستستفيد منها وتوظّفها التوظيف الأمثل لتحقيق المصلحة الوطنية العامة، وما هذه المدرسة إلا نموذج بسيط ومثال واحد يماثله غيرها كثير في مناطق المملكة المختلفة، ليس في وزارة التعليم فحسب، بل في باقي الوزارة والهيئات والإدارات، وإن رأى الفريق الهندسي المكلّف بتقييم وضع مدرسة جو الحالي أنها لم تعد صالحة لاستغلالها فإن هدمها أحسن بكثير من بقائها على حالها التي عليه اليوم «شاهدة على العصر»، دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.