عبده الأسمري
بين ظهرانينا صامدون يعيشون في غياهب المعاناة واجهوا ويلات الجحود وصدمات النكران وهنالك منصدمون يعيشون تحت وطأة الألم وحرقة اليأس ولوعة الندم وانتكاسات الخذلان بسبب جحود كامل الأطراف والمعاني.
لدينا عمق بشري أزلي تاريخي مع الجحود الذي أوصل العديد لمرحلة من الجمود النفسي والتجمد السلوكي أمام تفاصيل الحياة وعناوينها المتعلقة بالتكريم والمعروف والشكر والاعتراف.
للجحود صور متعددة وأشكال مختلفة منها ما يكون من جماعة نحو فرد أو جهة نحو عضو وأخرى بشكل تكون حالات فردية في محيطات مختلفة..
الجحود فعل سيئ واضح المعالم مبني على السوء واسم مجرور بسوء الخلق يتشكل ليكون «بؤسا» يتجاهل المتون ويتشبث بالهوامش!
الجحود هو أن ينسى علما من الأعلام طيلة حياته ثم يكرم بعد موته أو حين يرتمي في غياهب «المرض» أو غيابت «الظروف»..
الجحود أن تتعالى أصوات التلامذة المبتدئين بمجرد بدء خطواتهم الأولى وأن يتبهرجون بعلم منقول ناسبيه إلى أنفسهم متناسين وموغلين في تجاهل دور الأساتذة والموجهين والخبراء.
الجحود أن تسمى بعض شوارعنا بالعجم وبأسماء غريبة بينما لدينا من العباقرة من صمم الشارع ومن وقف مدافعا عنه ومن سار عليه متجها لخدمة الوطن ومن قطع مفازته باحثا عن معرفة.
الجحود أن يطرق عزيز قوم الأبواب بحثا عن احترام وتقدير كان يوزعه ببذخ على الآخرين فيجد الصد والتنكر وحتى الإساءة.
الجحود المعلن أن يتسلق مسؤولون مبتدئون على أكتاف الكبار فيتناسوا فضلهم وينسوا جمائلهم ويتنكروا لمن أوصلهم بعلمه وعمله لكراسي المسؤولية.
الجحود أن تمتلئ منصات التواصل الاجتماعي بطلبات مبدعين خدموا الوطن وهم يستجدون جامعات أو وزارات عملوا بها كي تمد لهم يد العون ولو بحثنا في خطط تلك الجهات لوجدنا تواقيعهم حاضرة في مشهد التأسيس والتطور.
الجحود يورث الألم لمن انهزمت نفسه بسبب معركة من طرف واحد قادتها ضده الظروف فغلبته وهو ذاته من يرمي الإنسان في صراع الاستغراب ومصارعة الاندهاش وقهر التساؤلات.
الأمثلة كثيرة وما سردته نماذج بسيطة فالجحود موجود وأخشى أن نوصم به مثل ما توصم شعوب أخرى بأقل منه سوءا ويظل سؤالي لماذا نحن جاحدون؟؟.. الأسباب تتعلق بالتركيبة النفسية للإنسان وأنماط شخصية غير سوية ترتمي في سوءات الجحود وقطاعات تتحدث عن المسؤولية الاجتماعية بعزة وتتناسى أنها تمارس الجحود وهي بذلك تخالف الواقع وتعاكس المنطق.
والإجابة في عمق كل إنسان وأمام أفق كل كيان يرى أنه وقع في الجحود «مدانا» لأن هذا المفهوم كامل ومتكامل وأسبابه جلية ولا يوصف إلا بالإدانة بعيدا عن اتهام ناقص الأطراف.
كل ما أرجوه أن نربي الأجيال القادمة على مقت الجحود وأن نرى عملا حقيقيا في وزارتنا وهيئاتنا وقطاعاتنا ومجتمعنا وإحساس إنساني في ذواتنا الغائبة ينشر ويوظف الاعتراف بالفضل والاستشراف بالنبل وينمي هذه الثقافة الراقية ليكون التكريم جزءا من الخطط ومنظومة من العطاء وأن نشاهد منابرنا ودور تعليمنا ومدارات منصاتنا تتحدث باحترافية عالية عن الجحود ومساوئه وعن المعروف وأهمية تأصيل روح الاعتراف به ورده قولا وفعلا.