د.ثريا العريض
موضوع اليوم أثارته خلاصة عدة حوارات دارت مؤخراً بيني وبعض المسؤولين عن تنفيذ برامج التحول. اتفقنا أن حضورنا الإعلامي في الخارج ضعيف، وأن هناك تركيزا بقصد أو بغير قصد على النواحي السلبية، ما يضر بسمعتنا في الخارج، منه مثلاً ما يتعلق بأعراف مجتمعية إقصائية وعنصرية، ومنه وضع المرأة. بينما يهمش التطور والأفعال الإيجابية، كمشاركة الدولة في الأعمال الإنسانية خارجياً.
والوضع ليس مستجداً ولكنه يتصاعد أحياناً لدرجة مزعجة ومؤذية حين يكون متقصداً لتحقيق غايات عدائية تتظاهر بإيجابية الأهداف.
أما الجهل فيمكن التعامل معه وإزالته. أتذكر زميلتي في السكن الداخلي بالجامعة الأمريكية في بيروت. «ديبورا» طالبة أمريكية واعية جاءت إلى بيروت ضمن مجموعة من قرابة 40 طالباً وطالبة اختيروا في برنامج «جونيور يير أبرود» أي الابتعاث للخارج للدراسة السنة الجامعية الثالثة. وهو برنامج يشمل قضاء سنة في إحدى الجامعات الأمريكية في العالم من أوروبا إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. ديبورا كانت ذكية ومتفتحة وابنة سيدة فاعلة في الساحة السياسية في نيويورك، ولكنها وأمها لا تعرفان عن واقع المجتمع الإسلامي والعربي سوى تلك الصورة النمطية السطحية. بعد نقاشات كثيرة غيرت رأيها حول كثير من الأمور منها وعي المرأة السعودية والخليجية والعربية. وتكونت لديها فكرة أوضح وأعمق حول الأوضاع في العالم العربي أكثر تعاطفاً مع العرب وتفهماً لموقفهم بالذات من اسرائيل. بل وقررت وزميل آخر من المجموعة قضاء صيف في فلسطين يدرسان التلامذة الفلسطينيين في برنامج الأنوروا وكالة غوث اللاجئين.
ثم سافرت أنا إلى الولايات المتحدة للدكتوراه. وخلال السنوات التي قضيتها هناك زرت مناطق أمريكا المتعددة واكتشفت عدة أشياء:
1 - عندنا نحن صورة نمطية عن أمريكا كصور الروزنامة المتكررة للمدن الكبرى تربطها بناطحات السحاب والعنف والعلاقات المنفلتة بين الجنسين.
2 - هناك مواطنون أمريكيون محافظون مثلنا ويسارعون لتقديم المساعدة بوازع ديني. ولديهم برامج للدعوة إلى دينهم. وبعضهم إقصائي متطرف. لا يختلفون عنا في ذلك.
3 - غالبية المواطنين الأمريكيين لا يعرفون شيئا عن السياسة الخارجية وما يدور في العالم. همهم هو ما يلامس دخلهم. ويستثنى من ذلك الصهيونيون.
4 - الدس الصهيوني يعمل بتقديم الشروحات السلبية المتحيزة ضد العرب والمسلمين. والمال والإعلام مسيطر عليه تماماً من قبل المصالح الصهيونية.
5 - أما التركيز على «معاناة» المرأة السعودية بالذات بمنطلق نسوي فلم يكن موجوداً في تلك الحقبة.
6- تصاعد التركيز على «معاناة» المرأة العربية في مرحلة تفاقم التشدد الصحوي، وتفاعلت معه الكثير من الناشطات النسويات سلبياً.
7 - التركيز على استهداف المرأة للتسييس جاء لاحقاً مع برامج المحافظين الجدد لِبث الفوضى الخلاقة بتفعيل كل جوانب السخط في المجتمعات العربية خاصة بين فئة الشباب. وأقيمت مؤتمرات تركز على «بناء التحالف النسائي وإيقاظ المرأة العربية لحقوقها المسلوبة من قبل ذكور مجتمعها، وتوعيتها لتقصير الأنظمة المحلية في هذا الجانب». وسمعت ممن شاركن تفاصيل ما يحدث من تأليب تستجيب له بعض الناشطات النسويات بحماسة دون أن يتعمقن في السؤال من المستفيد من تأجيج الناشطات؟ ولماذا تصرف عليه ملايين الدولارات.
كثير من الإعلاميين والكتاب من الجنسين الذين يأتون إلى البلاد ليغطوا المناسبات أو يعملوا التحقيقات أو يؤلفوا الكتب يفاجئوننا بتصويرنا سلبياً.
كل ذلك يزعجنا كثيراً لعدة أسباب:
1 - أننا ندرك أن في بعض ما يرسم عنا تفاصيل حقيقية لا نحبها. ويسيئنا تهميش بعض فئات المجتمع معاناة المرأة، واستلاب حقوقها الشرعية والإنسانية.
2 - يسيئنا أن يعلق إعلامهم على ما يصرّح به بعض المخلصين أغراضاً لا علاقة لها برغبات المواطنين في تحسين أوضاعهم، بل تستغل كوسيلة لتشويه صورة المجتمع كله وتضخيم صخب الغاضبين والكارهات لأعراف الوطن.
3 - ويسيئنا أن بعض المتشددات ينسين أن القضية هي تصحيح أوضاع المرأة المواطنة متشبثات بدور الداعيات إلى الانكتام وتقبل الجور الأسري والعرفي.
فالحمد لله أن رؤية التحول تفتح آفاق الفعل وتحقيق الذات والمواهب. وأن التصحيح قائم على قدم وساق دون صخب إعلامي وصراخ وجدل.
وإذا أصبح الإنجاز في الداخل هو المعتاد والمتقبل والسائد فستختفي من التغطيات الإعلامية الصورة النمطية المبالغ في سلبيتها. وتتضح للمتابع الحيادي تفاصيل الصورة المضيئة المعبرة عن الواقع المتحول.
نعم.. مهم أن نلاحظ كيف يروننا، وأن يكون حسن سمعتنا ضمن معايير تقييمنا لأنفسنا، ووجهة تصحيح أوضاعنا. ويبقى أن الأهم من كيف يروننا؟ هو ماذا نعمل لنعدل أحوالنا بتوجه إلى الأفضل مستقبلياً؟.
لنكون راضين عن أنفسنا لا عن رضاهم عنا.