محمد سليمان العنقري
أصدرت وزارة العمل بياناً أكدت فيه أنها ماضية بتنفيذ قراراتها حيال توظيف المواطنين وتوطين المهن بالقطاع الخاص وفق الجدول الزمني المعلن، وفي الوقت نفسه نقل القطاع الخاص وجهة نظره للوزارة حيال قراراتها من خلال لقاء جمع مجلس الغرف التجارية مع وزير العمل وقيادات الوزارة ومن الواضح أن البيان حسم أي توقعات بأن تتراجع الوزارة عن بعض قراراتها أو تقوم بتعديلها.
ولم يغب عن الساحة الإعلامية الكثير من الطرح بين مؤيد ومخالف لقرارات الوزارة بتوطين القطاعات التي حددتها بخطتها الحالية والقادمة وأضيف لها ما تم تناوله حول الفاتورة المجمعة وتأثيراتها على المنشآت الصغيرة خصوصاً التي أوضحت الوزارة عبر مسؤوليها بتصريحات عدة أن نسبة الفواتير المجمعة التي تقل عن عشرة آلاف بلغت 40 % من حجم منشآت السوق وأن 85 % من المنشآت كان حجم الفاتورة أقل من 50 ألف ريال مع التذكير أن عدد المنشآت يتجاوز 1،3 مليون منشآة بقليل حسب إحصاءات وزارة التجارة والاستثمار منها 91 % مؤسسات فردية.
فالمحاولات التي نسمع عنها من قبل بعض منشآت وممثلي القطاع الخاص لمناقشة قرارات الوزارة والعمل على تعديلها لم تفلح وليس لها مكان بالمرحلة القادمة ففرص التدرج بالتوطين استنفدت دون أن تحقق أهدافها ويكفي التذكير بالقرار رقم 50 الصادر من مجلس الوزراء الموقر عام 1415 هجرية أي قبل 24 عاماً الذي تضمن زيادة نسبة السعوديين 5 %سنوياً للمنشآت التي تضم عشرين عاملاً فأكثر فماذا طبق قطاع الأعمال من هذا القرار وكم من أعذار تم تقديمها منذ ذلك الوقت لعدم قدرتهم على تطبيقه؟! وبنهاية المطاف لم ترتفع نسب التوطين بل الذي ارتفع البطالة وهو ما يفسر خطوات وزارة العمل الحازمة لمعالجة هذا الخلل الكبير بسوق العمل الذي أفقد المواطن تنافسيته مع الوافد لأسباب عديدة منها رخص تكاليف الأيدي العاملة الوافدة والتستر التجاري وغيرها من الأسباب، فلقد بات الاتجاه للتوطين الموجه وفق خطة زمنية قصيرة نسبياً ضرورة لخفض البطالة التي لم تعد خياراً أمام القطاع الخاص من خلال نسب توطين بسيطة وتنافسية للمواطن ضعيفة في سوق مفتوحة للاستقدام حيث يوجد أكثر من عشرة ملايين وافد نسبة البطالة بينهم شبه صفرية بينما بطالة المواطنين 12.8 % وهو ما يعد خللاً اقتصادياً كبيراً سببه هيكلية سوق العمل التي تعمل الوزارة على تصحيحها عبر قراراتها مؤخراً
فإذا كانت الساحة الإعلامية وكذلك الاقتصادية قد تركزت الطروحات فيها حول طرفين في قضايا التوطين هما وزارة العمل التي تمثل الحكومة ضمن ما أوكل إليها من مسؤوليات بتنظيم سوق العمل أما الطرف الثاني فهو قطاع الأعمال الذي يفكر بالربح وهذا ليس عيباً لكنه كشريك بالتنمية فلا بد أن ينفذ أحد أهم أهدافها بتوظيف المواطنين، فإن الطرف الثالث الأهم بالمعادلة هو المواطن الذي ينظر إلى وزارة العمل بأنها المسؤول الأول عن إيجاد بيئة صحية يستطيع من خلالها الحصول على فرصة عمل سواء بالتوظيف أو بتأسيس مشروع تتوفر له فرص النجاح وبذلك فإن الوزارة ليس أمامها وقت لتمنح فرصاً لقطاع الأعمال بأن يتدرج بتوظيف المواطن، فسنويا يدخل لسوق العمل 300 ألف شاب وشابة على الأقل منهم قرابة 100 ألف خريج جامعي ولا يوجد مصلحة اقتصادية أو قومية أعلى من توفير بيئة تساعدهم للحصول على وظائف أو تأسيس أعمال خاصة بهم.
القرار الجيد يقلل من السلبيات ولا يوجد بأي اقتصاد عامل سلبي ومؤشر اقتصادي مقلق أكثر من ارتفاع البطالة ولذلك فإن توجه الدولة ومن خلال وزارة العمل لرفع نسب التوطين هو قرار استراتيجي أبعاده اقتصادية واجتماعية وانعكاسه سيكون إيجابياً على النمو الاقتصادي والتنمية في المدى المتوسط والبعيد مع أهمية أن تسارع بقية الوزارات والهيئات المسؤولة عن قطاعات اقتصادية بتنفيذ برامجها لتنشيط جذب الاستثمارات وتوليد الوظائف للمواطنين الحل الأهم مع الإحلال لخفض البطالة حالياً ومستقبلاً.