محمد المهنا أبا الخيل
معظم دول العالم وحتى تلك التي تعتمد على تصدير العمالة للخارج لديها تنظيمات تتيح عمل الأجانب كموظفين في قطاعاتها الاقتصادية، وتختلف تلك التنظيمات من بلد لآخر من حيث المتطلبات والرقابة وتحديد نوعية وطبيعة تلك الوظائف، وفي المملكة العربية السعودية وضع نظام الكفيل والمعروف رسمياً بـ(نظام الإقامة) والذي يفرض على صاحب العمل مسؤوليات تجاه استقدام وتوظيف العامل الأجنبي، حيث يكون الكفيل مسؤولاً مسؤولية نظامية أمام الدولة في ضبط مشروعية سلوك وتعامل العامل الأجنبي وإبلاغ السلطات حالاً عن أي تجاوزات لمشروعية إقامة العامل في البلاد وتسفيره في حالة أصبح غير ملائم للعمل أو اقترف ما يفسد مشروعية إقامته، العلاقة بين الكفيل والعامل بعد عدة تعديلات في النظام أصبحت علاقة (إعالة) فالكفيل مسؤول عن كل الإجراءات والتكاليف التي تجعل إقامة العامل الأجنبي إقامة نظامية، ومسؤول عن معيشة وصحة العامل، لذا يفترض أن يوفر للعامل السكن الملائم والمعيشة الملائمة ويوفر التأمين الصحي، هذه الالتزامات تجاه العامل الأجنبي أثقلت المؤسسة الاقتصادية السعودية بتكاليف وإجراءات ومسؤوليات ليس من طبيعة اختصاصها.
معظم -إن لم يكن كل- المؤسسات والشركات الصغيرة والكبيرة في المملكة لديها عمال أجانب تحت كفالتها ولديها موظفون متخصصون في رعاية شؤون هؤلاء العمال الأجانب، واستقدام العمال الأجانب منذ منتصف القرن الماضي كان المصدر الأفضل لتوظيف العمالة بصورة عامة، لذا بنت معظم المؤسسات والشركات السعودية هياكلها الإدارية والتشغيلية بكفاءات أجنبية، وتبعاً لذلك نظمت سياساتها وإجراءاتها الداخلية وطريقتها في العمل وهيكلة تكاليفها وتسعيرها لمنتجاتها من الخدمات والسلع. ومع توجه الدولة لفرض توظيف السعودي كبديل للموظف الأجنبي واجهت تلك المؤسسات الاقتصادية تحديات تمثلت في تهيئة بيئة العمل لتلائم التغييرات، وتطلب ذلك تعديلات في الأجور والحقوق وتنظيم العمل والدوام، هذا الأمر خلق اختلالات داخل المؤسسة الاقتصادية تمثلت في تنافسية سلبية بين السعودي والأجنبي وتراكم التزامات المؤسسة أو الشركة تجاه موظفيها وخصوصاً الأجانب عند إنهاء الخدمة.
مع تنامي البطالة لدى السعوديين عمدت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية إلى وضع إجراءات وسياسات ورسوم تحد من توظيف العامل الأجنبي وتشجع توظيف العامل السعودي، ولم تخلُ تلك الإجراءات من العسر في الالتزام والتنفيذ وذلك ناتج عن عدة عوامل أهمها الاختلال في (القيمة المضافة) للوظيفة عندما يحل فيها السعودي محل الأجنبي، هذا الأمر جعل المؤسسة الاقتصادية التنافسية تخصص الوظائف ذات التأثير الضعيف على تنافسيتها للمواطن السعودي في معظم الأحوال، وبعض تلك المؤسسات اضطرت لإضافة وظائف جديدة للموظفين السعوديين مع إبقاء العامل الأجنبي في وظيفته والبعض عمد إلى ما أصبح يعرف بـ(السعودة الوهمية).
في ظل إجراءات وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أصبح نظام الكفيل هو الضامن لبقاء العامل الأجنبي في وظيفته، فنظام الكفيل يجعل المؤسسة أو الشركة (معيلاً) لموظفها الأجنبي مقابل أن يكون مطيعا ومقيدا ومتوفرا في حين لا تتعامل المؤسسة مع العامل السعودي إلا من خلال نظام العمل والذي يجعل العامل (نداً) للمؤسسة، ثم أن تنامي صعوبة الاستقدام جعلت كثيرا من المؤسسات تتمسك بعمالتها الأجنبية من خلال نظام الكفيل حتى عندما تواجه ظروفاً صعبة في أعمالها، فخسارة عمالتها الأجنبية قد لا تعوض، هذه الحالة هي واقع الحال لسوق العمل السعودي وهي أكبر اختلالاته، حيث أصبح العامل الأجنبي أشبه بابن المؤسسة والعامل السعودي هو الغريب.
في هذا المقال أدعو إلى إعادة النظر كلياً بنظام الإقامة وأن تحدد علاقة (الإعالة) للعامل الأجنبي بسنة ثم يحرر من سيطرة الكفيل، وتصبح العلاقة بين العامل الأجنبي والدولة علاقة مباشرة، حيث يكون العامل الأجنبي مسؤولا على مشروعية بقائه في المملكة والتزاماته تجاه رسوم الدولة ومعيشته وسكنه وصحته، بهذا التحرير للعامل الأجنبي يصبح هو والعامل السعودي على مستوى واحد من التنافسية يحكمها التكلفة والكفاءة، وبهذا تحرر المؤسسة الاقتصادية من أعمال ليست من طبيعة عملها فتحسن أداءها ويصبح سوق العمل السعودي سوقا ديناميكيا، كما سيساهم هذا التعديل في نظام الإقامة على القضاء على التستر التجاري ويحد من البطالة بصورة عملية.