د.علي القرني
أحيانا تقع مؤسسات وربما دول في أخطاء إستراتيجية، ناهيك عن أفراد أحيانا يقعون في مثل هذه الأخطاء ويترتب عليها تداعيات مستقبلية كبيرة، وفي المقابل تعمل أحيانا مؤسسات ودول على أخذ مسارات إستراتيجية مهمة تساهم في تطورها وبنائها وتعزيز مكانتها في مجال من المجالات التنموية. ومن هنا، فإن التفكير الإستراتيجي أساسي جدا في اتخاذ القرارات، ودراسة أي قرار أو مسار وفق أطر إستراتيجية يساعد صاحب القرار على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب والذي يصب في مصلحة وطنية أو مؤسسية أو حتى شركة تجارية.
وإذا نظرنا خلال العشرين عاما الماضية على سبيل المثال في مجال الإعلام لنكتشف هل وقعنا في أخطاء إستراتيجية؟ والسؤال مهم لأنه قد يساعدنا في المستقبل لأن نجيد لعبة المستقبل في هذا المجال الهام. ومن خلال تحليلي الخاص - المتواضع - أرى أننا كسعوديين وقعنا في خطأين كبيرين، كان لهما أثر كبير سلبي على مجريات الشأن الإعلامي السعوديى، ولا زلنا نعيش تداعيات هذين الخطأين الإستراتيجين.
الخطأ الإستراتيجي الأول، هو خروج قناة الـ بي بي سي BBC العربية من عباءة شبكة الأوربت Orbit وهي شركة سعودية تمتلك قنوات إخبارية وترفيهية وكانت من أهم الشبكات الإعلامية في الوطن العربي، ولها مشتركون بالملايين. ومن ضمن القنوات التي كانت بها قناة مهمة إخبارية وتمتلك بعدا إستراتيجيا مهما في الشأن الإعلامي الدولي هي قناة الـ بي بي سي BBC العربية. وهناك عقد بين القناة وبين الشبكة، وظهور ربما تقرير معين أو توجه معين أدى إلى أن تقدم شبكة الأوربت على فض العقد وبالتالي تسريح كل من كان في تلك القناة وبحثهم عن بدائل لهم عام 1996م. ولهذا السبب (أسميه خطأ إستراتيجيا) نشأت قناة الجزيرة على خلفية هذا التسريح الجماعي لكبار الإعلاميين في ذلك الوقت، فقد استقطبتهم جميعهم وأسست قطر قناة الجزيرة التي نراها اليوم إحدى القنوات التي تقف ضد سياسات المملكة وتقف مع المصالح المعادية للمملكة.
أما الخطأ الإستراتيجي الثاني، فكانت سببه قنوات راديو وتلفزيون العرب الـART التي كان يمتلكها صالح كامل، وكانت شبكة واسعة من القنوات، وخاصة القنوات الرياضية، وتمكنت قناة الجزيرة عام 2007م أن تشتري ست قنوات وتشتري حقوق كأس العالم 2010 وبطولات وكؤؤس رياضية بمقابل حوالي ملياري دولار، وكان ناصر الخليفي المدير الحالي لنادي باريس سان جيرمان والمشتبه به في قضايا فساد على مستوى الفيفا هو الذي وقع هذا العقد مع شبكة Art السعودية، وكان حينها مديرا لقنوات الجزيرة الرياضية. وبعد هذا العقد تمكنت قناة الجزيرة من فتح الساحة أمامها لتصول وتجول في مختلف الدوريات العالمية والبطولات القارية لتصبح هي الوحيدة تقريبا في امتلاك المشاهد الرياضي العربي.
كل القرارين لم يدرسا في حينه دراسة إستراتيجية، حيث كانت قطر الدولة الصغيرة في مساحتها وعدد سكانها تسعى لأن يكون لها شأن ليس فقط على مستوى الخليج، ولكن على مستوى عربي ودولي بما في ذلك في وصولها الى المشاهد العربي بمختلف اهتماماته السياسية والرياضية، وحاليا تسعى لأن تؤسس وتمتلك الطفل العربي بقنوات أطفال، وكذلك الترفيه بتأسيسها قنوات ترفيهية (أفلام وسواها) جديدة. وتشير هذه المعطيات إلى أن المؤسسات الإعلامية السعودية (التجارية) هي التي فرطت في فرص إستراتيجية مهمة، وسلمتها لقطر وقنواتها المختلفة، ولم يرافق مثل تلك القرارات- التي أثبتت الأيام والسنوات أنها من أكبر الأخطاء الإستراتيجية في الإعلام العربي وليس السعودي فقط - أي فهم إستراتيجي واع بتداعيات مثل هذه القرارت على المستوى الوطني والعربي.