د. حمزة السالم
تذكرت محاضرة حول المفاوضات الأوربية الأمريكية لتحرير التجارة بينهما، ألقاها مسئول التجارة للاتحاد الأوربي. قال كارل دي متفائلا ومشيدا بأهمية هذه المفاوضات: إن نجاح مفاوضات تنتج عن صفقة شاملة وواسعة وطموحة حول تحرير التجارة بين أعظم اقتصادين في العالم سينتج عنه زيادة للناتج المحلي لكلا الاقتصادين بمقدار نصف بالمئة (0.5%). وهذا يعني مئات الآلاف من الوظائف لكلا الاقتصاديين.
نصف بالمئة زيادة للناتج المحلي تشغل سياسي واقتصادي وإعلامي العالم الصناعي على أمل توفير مئات الآلاف من الوظائف الجديدة، ودول النفط مؤخرا في طفرة النفط، ازدادت دخولها بعشرات الأضعاف لهذه النسبة سنويا، دون ذلك الأثر الاقتصادي أو الاجتماعي أو الإعلامي الذي يمكن مقارنته بالعالم الصناعي.
وذلك لأمرين: الأول اقتصاديا. فأموال النفط ليست ناتجة عن جهود بشرية وفكرية وعلمية من شأنها خلق الوظائف التي تلد وظائف أخرى. وبسبب قلة الكفاءات والإمكانيات المهنية الوطنية، فإن التنمية القائمة على هذه الأموال يذهب كثير منها للشركات الأجنبية وعمالتها ومواردها الأجنبية. وهذا يضيع كرة الثلج الاقتصادية التي تحدث بسبب الإنفاق الحكومي والتي يسميها الاقتصاديون بالأثر التضاعفي. والتي ضاعفت النصف بالمائة في المجتمع الصناعي إلى مئات الآلاف من الوظائف بينما لم تسعف دول الخليج مضاعفتها للناتج المحلي أيام الطفرة.
وأما الثاني فاجتماعيا. فبسبب اعتماد المجتمع الاقتصادي على الحكومات لعقود طويلة، فإن الشارع في دول النفط بعيد كل البعد عن فهم الاقتصاد ويتداول أحاديث لا صحة لها وتعتمد على مقارنات خاطئة. وهذا بالتالي ينتج عنه صعوبات سياسية في التعامل مع الشارع. فقد رأينا امتعاض الكثير أيام الطفرة من احتفاظ البلاد بالاحتياطيات النقدية رغم استحالة إنفاقها بفاعلية في الاقتصاد المحلي ورغم لزومها للنأي بالاقتصاد البترولي عن الآثار المدمرة - في حالة عدم وجود احتياطيات- لانهيار أسعار النفط، كما حدث اليوم. وكلنا نذكر مطالبة آخرين بتوزيع هذه الأموال عبثا، رغم أن كثيراً من الأموال قد وُزعت على المجتمع عن طريق الابتعاث والقروض الإنتاجية ونحوها.
إن إدارة الاقتصاد الصناعي هو بلا شك أسهل بكثير من إدارة الاقتصاد البترولي، والذي يُعتبر أشد صعوبة لحاجته للمدد الزمنية البعيدة المدى لتحويله إلى اقتصاد معرفي قائم بذاته. وهذا يتطلب صبرا مع أمانة وطنية وثقافة واعية من المجتمع بمختلف شرائحه وانضباطية مهنية وعملية من أفراده، قلما تتوفر في المجتمعات البدائية التي قفزت للحضارة والغنى عن طريق البترول.
والذي يبعث للتفاؤل، أن الاقتصاديات الناشئة تربة خصبة بكر للابتكارات، فإن أضيف لذلك خصوصيات بلادنا الأخرى، كالبترول والثروة والربط بالدولار، أصبحت بلادنا أكثر خصوبة لولادة الإبداعات الفكرية. فالحاجات كثيرة، والحاجة أم الاختراع. والمجالات مفتوحة فما من مزاحمة. وإنما أتانا الخوف من تحجيم العقل بالانهزامية أمام التنظير الغربي.