خالد بن حمد المالك
يتحدث الناس عن أن عدداً من المحلات التجارية ربما تغلق أبوابها متأثرة من الأنظمة الجديدة، وفي طليعتها الضرائب بما فيها القيمة المضافة، ما قلّل من حجم أرباحها، وربما عرّض بعضها إلى غياب هامش الربح الكبير الذي كان يتحقق لها تماماً، يؤكد ذلك أن بعض المحلات قد أغلقت أبوابها فعلاً، وأن بعض الشركات والمؤسسات قد اقتصر نشاطها على عدد محدود من الفروع، فيما أغلقت بقية الفروع التابعة لها.
**
ويتابع الناس كلامهم من حديث المجالس، وينقلون لنا عنها بتوسع تفاصيل ما يجري عن لجوء كثير من القطاع الخاص بالاستغناء عن العمالة التي يعتمد عليها في إدارة نشاطه، ويزيدون على ذلك أن كثيراً من العمالة المستقدمة أنهيت عقودها، وأعطيت لها تأشيرات خروج بدون عودة، وأن هذه الظاهرة مستمرة وبازدياد.
**
ومع التسليم بكل ما يقال أو بعضه في حديث المجالس، فإن ما يحدث -إن صح- حتى ولو صاحبه شيء من المبالغة والتهويل، إلا أنه ظاهرة صحية، فالمملكة لم تعد تحتمل وجود أكثر من عشرة ملايين مقيم في أراضيها، بعضهم بلا عمل، وهناك من يقيم بكفالة مواطن سعودي لا يتحمل مسؤولية نتائج إقامته شبه غير النظامية، هذا فضلاً عن وجود أعداد أخرى من غير السعوديين متخلفين ويقيمون في البلاد بطريقة غير نظامية.
**
ما يزيدنا ترحيباً بالقرارات الأخيرة المنظمة لعدم بقاء غير السعوديين للعمل في البلاد، حتى ولو تم ذلك بشكل غير مباشر، أن مغادرة كثير من المقيمين سوف يفتح الطريق أمام فرص عمل تتاح للسعوديين، ممن كانوا يشتكون مرّ الشكوى من عدم وجود فرص أمامه للعمل، في ظل استحواذ غير السعوديين على الأسواق والمحلات التجارية، والتستر عليهم باستخدام أسلوب الإغراء لبعض السعوديين لتغطية هذه الممارسات التجارية التي تتم بطرق غير شرعية.
**
لكن السؤال: إذا غادر هؤلاء المملكة، هل السعودي سيكون جاهزاً ومهيئاً ليحل محل الأجنبي في فتح محلات الخدمات العامة كما كان يفعل المقيم الذي ترك للمواطن الفرصة الآن دون مزاحمة، خاصة أنه سيكون في ظل حماية من وزارة العمل والجهات الأخرى ذات الصلة بالنشاطات التجارية في مختلف أشكالها وأنواعها؟
**
هذا هو الأمل، فالوظيفة هي أحد الخيارات وليست أفضلها في كسب الرزق وضمان الدخل المالي المناسب، فالتجارة والعمل في مجالها مع الاعتماد على النفس، هي من كان مصدر ثراء لمن عمل فيها، وبالتالي أصبح واحداً من رجال الأعمال الكبار، وظني أن إخوتنا وأخواتنا من السعوديين والسعوديات سوف يكون إحلالهم سهلاً وميسراً متى ما خلا لهم الجو.
**
كانت هناك منافسة بين السعودي وغير السعودي على العمل في التجارة الحرة واختيار المناسب منها، وكانت هذه المنافسة تؤول عادة لصالح المقيم، حتى أن كل جنسية كانت متخصصة في ممارسة نوع من أنواع التجارة، ولا تترك للسعودي فرصة لاقتحام العمل فيها، مما أصاب السعوديين بالإحباط واليأس والشعور بأنهم غير قادرين على العمل والمنافسة في هذه الأجواء.
**
ومن المؤكد أن الجهات الحكومية كانت على علم بحجم البلايين من التحويلات المالية التي تأخذ طريقها إلى خارج المملكة ومصادرها عمال عاديون ومحلات تجزئة صغيرة، مستفيدة من التسهيلات والثغرات والمرونة في التعامل، وما يقال من أننا نتعامل معهم وفق سياسة الاقتصاد الحر، بما لا يحق لنا منع خروج هذه البلايين من الريالات إلى خارج المملكة.
**
شكراً لوزارة العمل ولوزيرها الدكتور علي الغفيص وللفريق الذي يعمل معه على الجدية التي لمسناها في تطبيق القرارات ذات الصلة بالحد من فوضى العمالة الأجنبية، وأنا على يقين بأن كثيراً من المهن سوف تؤول ملكيتها أو العمل فيها إلى السعوديين والسعوديات بفضل قرارات وزارة العمل، إذا ما ظل تطبيق القرارات على ما هو عليه اليوم من جدية وقوة وصرامة وحزم، وهذا هو ما أتوقعه من وزارة العمل وأراهن عليه، والمطلوب من الجميع مساندة وزارة العمل في قراراتها، لا تبني هذه الحملة الظالمة ضدها، وكأن المطلوب من الوزارة أن تقوم بحماية استمرار أكثر من عشرة ملايين غير سعودي يقيمون ويعملون بالمملكة، وأن تشرّع من القوانين ما يبقيهم في بلادنا إلى أبد الآبدين.