د.سالم الكتبي
راقب الكثيرون حدة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء حديثه عن التهديدات الإيرانية لبلاده أمام مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن، الذي عقد مؤخراً، حيث وجه نتنياهو تحذيراً صارماً للملالي مفاده: «لا تختبروا صبر إسرائيل».
كان واضحاً أن هذا القلق الإسرائيلي لا ينبع من سقوط المقاتلة «إف 16» وما تبعه من طوفان تحليلات وجدل حول مصير التفوق الإسرائيلي وما سمي بقواعد اللعبة الجديدة وغير ذلك من سجالات تعبوية ودعائية لا علاقة للكثير منها بالواقع الإستراتيجي، بل يرتبط هذا القلق أساساً بما أوضحه الجنرال مكمستر مستشار الأمن القومي الأمريكي أمام مؤتمر ميونيخ حول خطر المفرخة الإيرانية التي تنتج بوتيرة متسارعة جيوشاً بالوكالة وميلشيات طائفية تدير حروباً وتشعل صراعات في استنساخ إيراني منهجي لنموذج «حزب الله» اللبناني.
تصريحات نتنياهو تؤكّد أن ثمة سباقاً زمنياً يدور بين إيران وإسرائيل، ويستهدف القضاء على خطر إستراتيجية الآخر، فإيران تعتمد على ميلشيات وتنظيمات طائفية مؤدلجة قادرة على خوض حروب بالوكالة، بينما تبنى إسرائيل تفوقها النوعي على مقدرتها الفائقة على نقل المعركة إلى أراضي الآخرين، عبر ذراع جوية طولى تمتلك قدرات التفوق العسكري الكبير.
المتغيّر الحاسم في هذا الصراع ربما يتمثّل في القدرات الصاروخية، فحزب الله اللبناني يباهي بأنه يمتلك أكثر من 150 ألف صاروخ، وأكثر من مائة ألف مقاتل، يقول جنرالات إيران إنهم باتوا أقرب إلى جيش محترف عقب مشاركتهم في الصراع العسكري الدائر في سوريا! فضلاً عن القدرات الصاروخية الباليستية لإيران ذاتها. إسرائيل من جانبها تمتلك قدرات صاروخية متطورة، على الصعيدين الهجومي والدفاعي، ولكنها تشعر بقلق شديد حيال إمكانية وصول صواريخ إيران ووكلائها إلى المدن الإسرائيلية!
في ضوء معطيات المشهد الراهن، يمكن القطع بأن احتمالات المواجهة بين إيران وإسرائيل قد انتقلت إلى مربع متقدم، ورغم أن تحليلات بعض المراقبين الغربيين ترى أن نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن مشاكله الداخلية الخاصة باتهامات الفساد عبر التركيز على التهديد الإيراني، فإن خطابه أمام مؤتمر ميونيخ مؤخراً لم يكن خارج سياق مواقفه السابقة حيال إيران، التي طالما توعدها نتنياهو بضربة عسكرية، ولكنه كان يواجه دائماً بحائط الصد الأمريكي.
الموقف الآن بات واضحاً، فالعالم في مواجهة موقف إسرائيل واضح يعتبر إيران مصدر تهديد للعالم أجمع وليس لإسرائيل فقط، ويقوم على أن إسرائيل «لن تسمح لإيران بتعزيز وجودها في سوريا وتحويل لبنان إلى مصنع للصواريخ دقيقة التوجيه»، في حين تتحدث التقارير الإخبارية عن جهد إيراني متواصل لتحقيق هدف «تلغيم» الحدود السورية الإسرائيلية اللبنانية المشتركة.
يدرك الملالي أن التمركز على حدود إسرائيل ضمانة قوية لعدم شن الجيش الإسرائيلي ضربات جوية مفاجئة ضد إيران، وهي الإستراتيجية التي تحاول إسرائيل التعامل معها عبر إضعاف قدرات الأذرع الإيرانية على المساس بأمن إسرائيل أولاً بأول.
أحد أهم المشتركات بين القوى الإقليمية والدولية يتمثَّل في تلك «المفارخ الطائفية» التي يمولها ملالي إيراني في دول عدة بالمنطقة، ويعتمدون عليها في التحكم بمستويات التهدئة والتوتر في ملفات حيوية عدة، وإشعال فتيل الصراع في ملفات أخرى، وهذا ما يجب التركيز عليه، ليس فقط عبر التصريحات والمواقف والإشارات المتكررة لخطر هذه «المفارخ»، بل في البحث عن آلية فاعلة لوأدها ودفع الملالي إلى الاقتناع بأن تكلفة الاستمرار في نهج التخريب الإقليمي ستكون كلفتها باهظة على النظام نفسه.
لن يقتنع الملالي بفساد مخططاتهم العسكرية القائمة على التوسع ونشر الفوضى وتصدير الأزمات ما لم يدفع النظام ذاته ثمناً غالياً لذلك، أو يستشعر أن بقائه مرهون بالكف عن العبث والالتزام بالقوانين والأعراف الدولية في محيطها الإقليمي وعلاقاتها مع العالم الخارجي.
ما يشد انتباهي في هذا الشد والجذب حول إيران أن الأسرة الدولية غير قادرة على بناء إستراتيجية فاعلة تجاه التهديد الإيراني رغم اتفاقها على وجوده! الأمر الذي يوفر للملالي فرصاً مستمرة للتملص والتهرب من الالتزامات الدولية بشأن الأمن والاستقرار الإقليمي، ويولد حالة اضطراب إقليمي يدفع ثمنها جيران إيران ودول الشرق الأوسط كافة!